تفشت ظواهر العنف والإرهاب في جميع المجتمعات، فالإرهاب ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والثقافات والأديان، ولم تعد هناك دولة أو مدينة في العالم بمأمن من خطره. إن الإرهاب لا وطن له ولا دين ولا قومية ولا لغة ولا منطقة جغرافية، ولا يمكن مجابهته بالوسائل العسكرية والأمنية لوحدها. إن استئصال الإرهاب وقطع دابره يستلزمان إمعان النظر في نشر ثقافة السلام والتسامح من خلال كافة مؤسسات صناعة الوعي وصياغة الرأي العام، وإجراء حوار حضاري ثقافي دولي، من خلال برامج طويلة المدى تتوافر لها الإمكانات لنشر ثقافة السلام الذي أشادت به الأممالمتحدة. ثقافة السلام هي ثقافة سائدة تعكس ترسيخ قيم التعددية وتقبل الآخر فكريا وثقافيا ودينيا، وتقوم على نبذ العنف والكراهية والتطرف بين عناصر المجتمع. تركز ثقافة السلام على القيم النبيلة وقيم التسامح والانفتاح على الثقافات والشعوب المختلفة، وتهدف إلى تعزيز قيم التسامح الثقافي والديني والاجتماعي. تتناول ثقافة السلام قضايا التسامح والسلام والتعدد الثقافي بين البشر، وتعزيز قيم التسامح والتآخي وتجارب التعايش ودور وسائل التواصل بما يكفل احترام التعددية الثقافية والدينية. إن من أهداف ثقافة السلام تعزيز الاحترام المتبادل والتلاحم الاجتماعي الرامي إلى المحبة والسلام. تضمن ثقافة السلام مجموعة من القيم ونماذج السلوك والمبادئ وأنماط الحياة، وتستند ثقافة السلام على أسس أهمها: أولا: نبذ العنف وإنهاء مظاهره وتجلياته في مختلف مجالات الحياة والترويج لعلاقات أساسها السلام واحترام الحياة واللاعنف، وتبني أساليب التعايش والحوار السلمي والإقناع. ثانيا: إستراتيجيات التنمية السياسية التي تقوم على تخفيف مظاهر الفقر والأمية والجهل وتحقيق مستويات معقولة من العدالة الاجتماعية. ثالثا: حقوق الإنسان وحرياته الأساسية تتضمن مشروعا رائدا وحيويا حول ثقافة السلام من أجل أجيال المستقبل لاقى اهتمام وتقدير المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة، لما تضمنه من أفكار بناءة وجريئة وهادفة لنشر ثقافة السلام ومكافحة الإرهاب. تركز ثقافة السلام على القيم الأساسية التي تصون المقومات الأساسية للمجتمع. لقد ارتفعت الأصوات التي تنادي بتعزيز ودعم ثقافة السلام في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت في 20 نوفمبر 1997 قرارها باعتبار سنة 2000 هي «السنة الدولية لثقافة السلام»، وفي 6 أكتوبر 1999 أصدرت الجمعية العامة إعلان ثقافة السلام، الذي اعتبر مرشدا عاما للحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي لدعم وتعزيز ثقافة السلام. لقد اتسعت الدعوة لتعزيز ثقافة السلام لتشمل كل دول العالم، بما في ذلك الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، وكافة المنظمات والهيئات ذات العلاقة على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية. لا شك في أن هناك عقبات كثيرة في سبيل تحقيق السلام في العالم، فالوصول إلى هدف السلام لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق القضاء على أسباب الصراعات والنزاعات في العالم، ولا يمكن إقناع الأمم والشعوب بقيمة السلام إلا بإقامة موازين العدل بين الجميع، فالسلام قيمة كبرى لا يجوز التلاعب بها، ونشر ثقافة السلام في مختلف مناطق العالم يمكن أن يمثل حصانة قوية ضد أي محاولة لتعكير صفو السلام في العالم. لقد ثبت من التجربة السابقة أن التدابير الأمنية أو العسكرية ليست كافية للتصدي لهذه الظاهرة. والعمليات العسكرية تأتي بنتائج عكسية حين لا تجرى في إطار حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. إن مواجهة التطرف والإرهاب في العالم تستلزم تعزيز ثقافة السلام، كما أن هذه المواجهة تستلزم العمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعلى شمولها كل المناطق، لأن الفقر والبطالة والتهميش تشكل الأرضية التي يقوم عليها التطرف وينشأ فيها الإرهاب. الخطوة الأولى لثقافة السلام هي تبادل الآراء والنقاش حول أبرز القضايا الإنسانية المشتركة، خاصة تلك التي تتعلق بالتعايش وقبول الآخرين ورفض التطرف والعنف. فلا بد أن تكون إستراتيجية متكاملة لتقتلع أسباب التطرف العنيف وتقوض الأسس التي يقوم عليها، وغرس ثقافة السلام والعيش المشترك الكريم، فليس لدينا بديل آخر عن ثقافة السلام لمكافحة الإرهاب الأسود.