ما أجملها من جلسة حين تكون برفقة كتاب وكوب من القهوة، وتكون أجمل حين تكون مع رفقة طيبة ذات عقول نيرة، ويكون هذا اللقاء في مقهى ثقافي. هذه مجرد أفكار تداعب خيالي مؤخرا، خاصة أني من عشاق الكتاب والقهوة، ومن محبي الثقافة والفن. المقاهي الثقافية ليست وليدة اللحظة، إنما هي إرثٌ قديم ومحصلة عظيمة، ونقطة تجمّع لأهم كُتاب وأدباء العصر الحديث، أمثال نجيب محفوظ والعقاد وبدر شاكر السيّاب والجواهري، الذين أسهموا بفكرهم في تغيير المشهد الثقافي العربي. والآن، وبعد ما تم مؤخرا اعتماد رؤية وزارة الثقافة، أرى من المناسب طرح مثل هذه الأفكار، إذ يكون المقهى الثقافي عبارة عن مجلس أدبي مصغّر، يضم نخبة من أصحاب الذوق الرفيع من الأدب والفكر والفن، بأسلوب عصري يتماشى مع طبيعة المجتمع، ويكون الهدف منه طرح الأفكار الابداعية، وخلق صورة ثقافية معاصرة بنموذج حديث، وإظهار الهوية الثقافية للدولة. ومع مرور الوقت تصبح هذه المقاهي من أهم المعالم السياحية ذات العائد الاقتصادي، بشكل يعكس ثقافة المجتمع وفكره، وتكون الملتقى الذي يتعرف خلاله على الأدباء والمثقفين في جلسة تجمع بين المرح والمعلومة والشغف، فكما يقال الأشباه تتجاذب. وجود المقاهي الثقافية سيساعد في تغيير تلك الصورة النمطية عن المثقف في مجتمعنا، فالبعض يرى المثقف في صورة صاحب النظارة السوداء، والشخصية الانطوائية التي لا تعرف أحدا، وقد لا يعرفها أحد. كما أن هناك من لا يفرق بين المتعلم والمثقف، وهذه تعدّ في حد ذاتها أزمة. فلا مجال للمقارنة أبدا، وعند الحديث عن هذا الموضوع تجد أننا كلنا متعلمون، ولكن لسنا مثقفين بالدرجة نفسها، فالثقافة درجات واختلافات. المتعلم يعلم ضمن تخصصه، أما المثقف فهو يعرف من كل شيء شيئا، ويطبق كل شيء، وعنده رغبة مستمرة وفضول خلّاق لمعرفة المزيد. لذا، أرى أن الثقافة أعم وأشمل من التعلم. خلاصة القول، إن كل مثقف متعلم، ولكن ليس كل متعلم مثقفا. لذا تعدّ فكرة المقهى التفافي فرصة مناسبة للتعرف على المثقفين والمفكرين والفنانين بطريقة صحيحة، خلال تخصصاتهم وأعمالهم، وليس خلال حساباتهم الشخصية، وخلق مفهوم جديد للتعرف على الآخرين، خلال ما يملكون من أفكار وليس ما يملكون من أرقام، وقد تعد وسلية لطرح منصات جديدة بعيدة عن ساحات التواصل الاجتماعي التي أصبحت سماء تملؤها الثرثرة الفارغة، وأرضا تعجّ بمعارك كلامية ومشادات لفظية تارة بأسلوب شخصي، وأحيانا بأسلوب رجعي. لذا، أرجو اعتماد فكرة المقهى الثقافي، وأن تكون مسميات هذه المقاهي بأسماء الأدباء والمثقفين السعوديين، كنوع من التذكير لمن رحل والتكريم لمن بقي.