أجمل تعليق صريح وشفاف سمعته في معرض الرياض الدولي للكتاب كان من سيدة تحمل عدة كتب حصلت عليها، مؤكدة بأنَّ اختيارها لهذه المجموعة كان بحسب ألوانها وأحجامها وعناوينها وأسعارها، وأنَّ القراءة والاطلاع ليس الهدف الأول من اقتنائها، بل من أجل تقديمها لاحقًا «كهدايا» يتم تغليفها مع «باقة الورد» لإهدائها في المناسبات للصديقات والأقارب، كفكرة جديدة وأسلوب مبتكر يعكس المكانة الثقافية والمعرفية والرُّقي لكلا الطرفين، هنا لاحظت بأنَّ طريقة الشراء في المعرض خلال الأيام الماضية تذكرني بأسلوب التبضع والتسوق في مولاتنا، بتأثير الإعلانات وطريقة العرض والشكل واللون والإغراء والسعر، فقليل من يقرأ المكونات أو يتعرف على المحتوى!. منذ عدة سنوات تخالطني فكرة افتتاح «محل قهوة» داخل معرض الكتاب وبالتزامن معه، أعتقد جازمًا بأنَّني سأكسب أكثر من أصحاب المكتبات أنفسهم، فالقهوة والكتاب متلازمان في نظر كثيرين لرؤية المشهد الثقافي، الذي قيل فيه إنَّ المُفكرين هم من يبدعون في طرح الأفكار والنظريات، والمثقفين هم من يمتزجون بها ويتقمصونَّها، وعلى المتعلمين لاحقًا دراستها ليحصلوا بموجبها على شهادات أكاديمية فقط، الحصول -برأيي- على درجة علمية لا يعني بالضرورة الثقافة والفهم والدراية، فما يجمع بين «الفكر والثقافة» خيط رفيع قليل من يمسك به من الفلاسفة، حتى إن اختلافًا كبيرًا ظهر في الشرق والغرب حول تعريف المثقف بكلمات ودلالات لا تختلط بتعريفات الأديب والأكاديمي والمفكر.. ولكن مجالات الأبحاث «سوسيولوجيا الثقافة»، و «سميوطيقا الثقافة»، وضعتنا أمام عشرات التعريفات المختلفة والمتناقضة التي لم تحسم المسألة، وتفكُّ الاشتباك حول التداخل بين المعرفة، والثقافة، الأدب، الفلسفة، والتفكير. المثقف في وقتنا المعاصر يعاني حزمة من الإشكاليات والمتغيرات والمفاهيم والسلوكيات الجديدة، فقد اختفت كثير من العلامات التي كانت تميز أصحاب الثقافة، والأدب، المعرفة، الفهم، والدراية قديمًا، وباتت الصورة ضبابية أكثر بفعل التقنيات الحديثة، ومنصات التواصل الاجتماعي والتبادل المعرفي السريع والسطحي، فبات بعض المثقفين -في ظني- تائهين لا يعرفون أنفسهم أو يميزون بعضهم البعض بشكل صحيح وقاطع، نتيجة ظهور علامات الثقافة الكاذبة على غيرهم، واقتحام المشهد الثقافي ممَّن ليس منهم، جرِّب أن تعرف المثقف من وجهة نظرك؟ لتتصوَّر حجم المشكلة والخلط، وحاول تحديد علامات الثقافة بعيدًا عن حمل كتاب، وارتشاف «فنجان» من القهوة. وعلى دروب الخير نلتقي.