كلما قدمت نصيحة للآخرين (في مجال تخصصي)، أسأل نفسي، هل أقوم بتطبيقها ؟ فإذا كانت الإجابة (لا) وكثيراً ما تكون كذلك مع الأسف الشديد ينتابني شعور بالتناقض وعدم الرضا، وبدأت النفس اللوامة في معزوفتها المؤلمة، ما دمت لا تفعل هذا أو تجد صعوبة في تطبيقه فلماذا تنصح به الآخرين الذين يثقون بك ويتوقعون منك الصدق والأمانة. يبدأ العقل في التبرير فيقول أنت تقوم بدورك في بيان الإجراء الصحيح للناس وليس عليك أن تطبق ما ذكرت، فالناس لا يهمهم ما تفعل بقدر ما يهمهم معرفة الشيء الصحيح، إلى جانب أنه إذا لم تتحدث إلا عما تقوم بتطبيقه فإن أقصى ما يمكن أن يصل إليه متابعوك هو أن يكونوا نسخة منك (على افتراض أن جميع المختصين تبنوا نفس النهج)، وهذا سيجعل مستوى الأمان أقل بكثير مما يمكن تحقيقه. إليك هذه النصيحة الشهيرة (لا تستخدم كلمة مرور واحدة للتسجيل في أكثر من موقع على شبكة الإنترنت)، هذه واحدة من أوائل النصائح التي تسمعها من خبراء الأمن السيبراني، وذلك من أجل رفع مستوى الأمن، بحيث لو تمكن أحد الأوغاد من الحصول على كلمة السر التي تستخدمها في (تويتر) مثلاً، فلن يستطيع الدخول إلى حسابك في (الانستجرام) ولا الوصول إلى بريدك الإلكتروني، لأنك كنت محتاطاً لنفسك ولم تستخدم نفس كلمة السر لجميع المواقع. هذه النصيحة مهمة وعظيمة الفائدة. لكن، هل نطبقها فعلاً عند تعاملنا مع الإنترنت؟. أعتقد أننا لو سألنا خبراء الحماية الذين يطلقون هذه النصائح المهمة عن مدى تطبيقهم لها لصدمتنا الإجابة. على الصعيد الشخصي، أعترف بأنني لم أطبق هذه النصيحة الثمينة يوماً، مع أنني مقتنع بأهميتها وأنصح الآخرين بها!، السبب وراء ذلك هو صعوبة تذكر كلمات سر قوية ومختلفة لكل موقع إلكتروني يطلب منا التسجيل. الحل الذي أستخدمه هو اختيار ثلاث إلى خمس كلمات سر قوية ويسهل عليّ تذكرها، ثم تصنيف المواقع الإلكترونية حسب حساسيتها ومقدار الضرر الناتج من اختراقها، ومن ثم توزيع كلمات السر عليها. هذه الطريقة عملية ويسهل تطبيقها وتحقق مستوى لا بأس به من الأمان على الشبكة العنكبوتية. كما تلاحظ عزيزي القارئ، هناك تشابه كبير جداً بين سلوك خبراء الحماية وسلوك الأطباء، فالطبيب لديه نصائح وقائية لها أول وليس لها نهاية، وهو غالباً لا يطبق من هذه النصائح إلا النزر اليسير، فكم من طبيب ينصحك بإنقاص الوزن، والميزان يتعوذ من وقوفه عليه، وكم من طبيب ينصحك بالنوم المبكر، ولا يغمض له جفن إلا إذا تنفس الصباح. الواعظ كذلك، لديه نصائح لا حصر لها ويستحيل عليه تطبيقها، وإلا لكان ملاكاً يمشي على الأرض. كلنا نعطي نصائح ولا نتمنى أن يسألنا الآخرون عن تطبيقنا لها، لأننا في تلك الحال سنكون بين خيارين (مش حلوين).