تساءلت الزميلة الدكتورة إبتسام البسام في عدد الرياض الأسبوعي المؤرخ 16 جمادي الأولى 1404 عن عدد قراء الزوايا الأدبية المتخصصة ومدى متابعتهم لها واستفادتهم منها، ووجدت في تقويم الزميل الدكتور نعيمان عثمان (المنشور في عدد سابق) أن معظم قرائنا لا يفرقون بين الأجناس الأدبية حكما تعميميا قاسيا، وفي العدد نفسه ناقش الدكتور نعيمان أيضا موقف الكاتب المحلي من الأعمال الأدبية المحلية في ضوء الثقافة الطاغية (الثقافة الغربية) سواء الكاتب الذي هضم تلك الثقافة أم الذي سمع عنها فقط من الصحف والمجلات الدارجة، وخلص إلى أن معظم هذه الكتابات تتصف إما بالمجاملة والتغطية الموقوتة أو بالتدليل المخل أو بالادعاء الجاهل. ذلك التساؤل وهذا التقويم دلالة صحية على التفاعل الخلاق بين الكاتب وبين قرائه، وفي الوقت نفسه تنبيه على ضرورة دراسة جونا الثقافي دراسة منظمة متعمقة لا تقوم على مبادرة فردية، وبالتالي لا أزعم أني أستطيعها، وفي مثل هذا الحيز، لكن تساؤل الدكتورة إبتسام ملح، ولذا سأقصر ملاحظاتي هنا على محاولة مبدئية للإجابة. أعتقد أنه لا بد للكاتب الذي يشعر بأن لديه شيئا مفيدا يقوله، والذي يحاسب نفسه على كل كلمة يكتبها ويلتزم بها، أن يسأل نفسه هذا السؤال: لمن يكتب؟، ولابد له من الإجابة الصريحة الواضحة التي يتحدد على ضوئها مسار كتابته ومستواها وطبيعتها، أي أنه لا بد له من إستراتيجية معينة يحقق بواسطتها الهدف الذي اختاره لنفسه، وإلا كان مصير ما يكتبه الإهمال، إما لأن مستواه أقل بكثير مما يتوقعه القارئ أو أعلى بكثير، أو ربما كان بعيدا عن دائرة اهتمام ذلك القارئ الذي يتجه إليه (هذا إذا افترضنا أن الكاتب يعلم ولو على سبيل التقريب، بمستوى ذلك القارئ، وهو أمر صعب في بيئة تخلو من إحصائيات دقيقة عن عدد القراء وأنواعهم واهتماماتهم ومستوياتهم) وبطبيعة الحال تتصل بقضية مستوى القارئ قضية أخرى وهى مستوى الأداة التي يتلقى القارئ عن طريقها الموضوع الذي يهتم به، وعما إذا كانت أداة تثقيفية عامة أم أداة متخصصة موجهة إلى قلة متخصصة. كاتب المقالة الأدبية النقدية في صحفنا مثله في ذلك مثل كاتب المقالة السياسية أو الاجتماعية أو العلمية لا علم له بحجم قراء الصفحة الأدبية أو الملحق الأدبي، إلا أن له أن يفترض أن حجم قراء الصحيفة اليومية أكبر من حجم قراء المجلة الأسبوعية أو الشهرية، ويكون التفاوت بين مستوياتهم وتنوع اهتماماتهم أظهر وأوضح. الذي أتصوره هو أن يبني الكاتب إستراتيجيته على أساس التخصص في نوع من أنواع الكتابة بناء على التقسيم التقليدي للقراء، وذلك في غياب الإحصاءات: فهو إما أن يوجه اهتمامه إلى القاعدة العريضة من القراء المهتمين اهتماما هامشيا بالدراسات الأدبية ليبسط لهم قضايا الأدب ويذكي فيهم روح الاستزادة، أو أن يخاطب الطبقة المثقفة ليفتح أمامها آفاقا أرحب من التجارب الأدبية، أو أن يقصر كتابته على المختصين الذين يتوقعون نوعا معينا من الدراسة، وأسلوبا خاصا في النقاش الفكري المكثف، واهتماما جادا بأمور فنية دقيقة. ويدخل في النوع الأخير الدراسات المقارنة التي تفترض في القارئ معرفة جيدة بالأدب العربي وبالآداب الأخرى، غربية كانت أم شرقية، وبالنظريات المتقدمة المقارنة وتدخل كذلك الدراسات التي تركز على أدب بعينه، أو على نوع من الأنواع الأدبية، وأعتقد أن الصحيفة اليومية يتسع صدرها لكل هذه الأنواع بحيث يجد فيها كل قارئ بغيته. ولرب سائل يسأل: وهل للنوع الأخير المتخصص مكان في صحيفة يومية؟ ما يبقى إذن للمجلة المتخصصة؟ الجواب: إن المقالة الأدبية المتخصصة غير البحث الأكاديمي المتخصص، فهي أكثر قدرة وأكثر سرعة على رصد الظواهر الأدبية ومعطياتها، ومن ثم مناقشتها مناقشة مبدئية مع التطبيق بين الحين والآخر على نصوص بعينها، أما البحث الأكاديمي فيتميز بالشمول والعمق والتطبيق المستفيض، وقد تؤلف المقالات الأدبية القصيرة بحثا أكاديميا بعد أن تعاد صياغتها في إطار جديد، وقد يكون هذا المقال ألصق بالمجلة الأسبوعية أو الشهرية غير الأكاديمية، وفي هذه الحالة يتوقع القارئ رحابة أكبر في المناقشة وبعدا أعمق في التفكير دون الوصول إلى شمول في النظرة أو إلى دقة أكاديمية في التفاصيل. وأخير لا ينبغي أن ننسى دور محرر الصفحة الأدبية أو الملحق الأدبي، فهو المسؤول بحكم عمله واحتكاكه المباشر بالواقع الثقافي عن سياسة الصفحة وطبيعتها، وعن إيجاد ذلك التنوع في المقالات والتوازن المطلوب بينهما، هذا إذا كان المحرر واسع الأفق رحب الصدر لا يضيق باختلاف في المذاهب أو تنوع في الاتجاه، ومن ثم يجعل صفحته أو ملحقه مرآة صادقة للحياة الأدبية والثقافية. * قراءة ثانية * صدر عام 2000