(رويترز) - في حين أصبح الحجاب الذي يغطي رأس المرأة زيا عاما بين معظم نساء مصر كما ينتشر النقاب الذي يغطي الوجه وأحيانا يخفي العينين أيضا تأتي اجتهادات الامام محمد عبده لتنسف ما يعتبره البعض أساسا دينيا لما راه مفتي الديار المصرية قبل أكثر من مئة عام مجرد "عادة" نتجت عن الاختلاط بأمم أخرى. ويقول الامام في أعماله الكاملة ان كل الكتابات التي كانت تلح على ضرورة الحجاب في عصره ركزت على "خوف الفتنة.. فهو أمر يتعلق بقلوب الخائفين من الرجال" وعلى من يخاف الفتنة منهم أن يغض بصره. ومصطلح "الحجاب" في عصر الشيخ محمد عبده كان مقصودا به ما يغطي وجه المرأة باستثناء عينيها وهو أقرب الى ما يعرف حاليا بالنقاب. ويضيف أن اية غض البصر تتوجه الى الرجال والنساء وأن المرأة "ليست بأولى من الرجل بتغطية وجهها." ويتساءل: "عجبا. لم يؤمر الرجال بالتبرقع وستر وجوههم عن النساء اذا خافوا الفتنة عليهن. هل اعتبرت عزيمة الرجل أضعف من عزيمة المرأة واعتبر الرجل أعجز من المرأة عن ضبط نفسه والحكم على هواه.. واعتبرت المرأة أقوى منه في ذلك حتى أبيح للرجال أن يكشفوا وجوههم لاعين النساء مهما كان لهم من الحسن والجمال." وما كتبه الامام محمد عبده (1849-1905) هو أحد فصول مجلد يقع في 730 صفحة كبيرة القطع ويضم كتاباته الاجتماعية. والاعمال الكاملة له والتي حققها محمد عمارة تقع في خمسة مجلدات وأصدرت (دار الشروق) في القاهرة طبعة جديدة منها ضمن مشروع مكتبة الاسرة الذي تتبناه الهيئة العامة للكتاب منذ 19 عاما. وحظي الشيخ محمد عبده بتقدير كبير الى الان نظرا لتوجهاته الاصلاحية ومواقفه الوطنية حيث شارك في الثورة العرابية ضد الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1882 وبعد فشل الثورة حكم عليه بالسجن ثم نفي الى بيروت ومنها الى باريس حيث أسس مع جمال الدين الافغاني صحيفة (العروة الوثقى) ثم عاد الى مصر وعمل بالقضاء الى أن عين في منصب المفتي عام 1899. ويقول الشيخ محمد عبده تحت عنوان (حجاب النساء من الجهة الدينية) انه "لو أن في الشريعة الاسلامية نصوصا تقضي بالحجاب (النقاب) على ما هو معروف الان عند بعض المسلمين لوجب علي اجتناب البحث فيه ولما كتبت حرفا يخالف تلك النصوص مهما كانت مضرة في ظاهر الامر لان الاوامر الالهية يجب الاذعان لها بدون بحث ولا مناقشة. لكننا لا نجد في الشريعة نصا يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة وانما هي عادة عرضت عليهم من مخالطة بعض الامم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين منها براء." ويتساءل.. كيف لامرأة محجوبة أن تعمل بصناعة أو تجارة.. وكيف يمكن لخادمة محجوبة أن تقوم بخدمة بمنزل فيه رجال.. وكيف لامرأة محجوبة أن تدير تجارتها بين الرجال أو تمارس الزراعة أو الحصاد في مجتمع فيه رجال. بل يذهب الامام محمد عبده الى حد القول انه في حالات التخاصم واللجوء الى المحكمة يكون مهما لطرف الخصومة مع امرأة ومهما للقاضي أيضا أن يكشف وجه المرأة "ولا أظن أنه يسوغ للقاضي أن يحكم على شخص مستتر الوجه ولا أن يحكم له." ويضيف أن الشخص المستتر لا يصح أيضا أن يكون شاهدا اذ من الضروري أن يتعرف القاضي على وجه الشاهد والخصم. فيقول ان الشريعة الاسلامية "كلفت المرأة بكشف وجهها عند تأدية الشهادة" والحكمة في ذلك أن "يتمكن القاضي من التفرس في الحركات التي تظهر عليه" فيقدر الشهادة قدرها. ويرى أن "أسباب الفتنة" لا ترجع للاعضاء الظاهرة للمرأة وانما السلوك الشخصي أثناء المشي وأن ما يخفي وجه المرأة يعينها "على اظهار ما تظهر وعمل ما تعمل لتحريك الرغبة" لانه يخفي شخصيتها فلا تخاف أن يعرفها قريب أو بعيد. ويلخص الامر قائلا ان اخفاء وجه المرأة ليس من الشرع الاسلامي "لا للتعبد ولا للادب بل من العادات القديمة السابقة على الاسلام والباقية بعده" موضحا أنها منتشرة في بعض الاممالشرقية التي لا تدين بالاسلام.