ليست المرة الأولى في التاريخ التي يتجلى بها الحق المطلق في مواجهة القوة المطلقة، لكنها المرة الأولى التي يشهد فيها العالم من أقصاه إلى أدناه الصراع في فلسطين والمنطقة على حقيقته، خروجاً على السردية الغربية الصهيونية المضللة منذ بدء الاحتلال. لأول مرة يرى العالم اللونين الأبيض والأسود في الصراع الدائر في فلسطين بكل وضوح. فقد قالت شعوب العالم كلمتها من ساحات الجامعات والميادين العامة ومنابر النقابات، كما قالت الأممالمتحدة ومنظماتها كلمتها وعبر مختلف المنابر وخلال 16 شهراً من الإبادة، كما سجلت منظمات حقوق الإنسان مواقف مخزية ضد الاحتلال. أما محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية فقد أصدرت أحكامها القاطعة ومنها مذكرة اعتقال بحق بعض مجرمي الحرب في تل أبيب، كما أن الإعلام الحر في العالم قال كلمته بوضوح ودون مواربة، أما الحكومات فقد بلغ عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين 147 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الأممالمتحدة جراء حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني. وحدها أمريكا، للأسف، تعيش تغرد بعيداً عن القانون الدولي والمواثيق الدولية فلا تزال تتوهم مع حفنة من عواصم الاستعمار، أن بوسعهم أن يقفوا بوجه الحق، استناداً إلى ما يملكون من قوة. لم تتعلم أمريكا من أن القوة لم تحقق لها نصراً في فيتنام أو في أفغانستان أو في العراق، ومع ذلك لا تزال تصر على الوقوف في الجانب الخاطئ من التاريخ. وحدها دولة (الحرية) و(الديموقراطية) التي لا تزال تراهن على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري وسيلة لفرض واقع جديد يلبي تطلعات ومغامرات المستعمرين في فلسطين على حساب أصحاب الحق وأصحاب الأرض الذين أثبتوا للعالم خلال 16 شهراً صلابة وبسالة الإنسان عندما يدافع عن حق الوطن، ومن يدافع عن مجرم محتل. إنها أمريكا التي لم تنضم للعديد من منظمات الأممالمتحدة ومنها محكمة الجنايات الدولية، وهي نفسها التي لم تنضم لمعاهدة الأممالمتحدة حول مشروع إلغاء الأسلحة النووية ولم تصادق عليها، وهي التي لم تنضم لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وهي التي لم تنضم لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). إنها الدولة التي انسحبت من العديد من منظمات الأممالمتحدة ومنها منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، بحجة أنها منحازة ضد إسرائيل. وهي التي انسحبت من منظمة الصحة العالمية، ثم عادت، ثم انسحبت مرة أخرى، وهي التي انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ، وهي التي انسحبت من مجلس حقوق الإنسان لنفس السبب وهو الادعاء بأنها منحازة ضد إسرائيل. إننا اليوم في الميل الأخير من سباق الحق والقوة في فلسطين، نحن اليوم أمام مفترق طريق واضح، العالم كله في جانب الحق الفلسطيني، ضد الكيان الغاصب المحتل. الكيان الغاصب هو كيان وظيفي يؤدي الدور الاستعماري الجديد للدول الاستعمارية الغربية من خلال إعادة استعمار وإخضاع الوطن العربي والعالم الإسلامي وأفريقيا بأسلوب يتخفى وراءه هذا المستعمر الأمريكي والبريطاني والفرنسي وبقية المستعمرين. من هنا، وحتى لا تتم تصفية الحقوق الفلسطينية، وحتى لا يتم استدراج دولنا لتكرار ماراثون السبعين سنة من نكبة الشعب الفلسطيني، وحتى لا يتمدد السرطان الصهيوني الاستعماري في المنطقة، لدينا اليوم فرصة ثمينة، بحجم الأزمة وبنفس حجم الخطر الذي يهدد الدولة الفلسطينية ودولنا العربية والإسلامية والأفريقية، فأمام القمة العربية وأمام القمة الإسلامية والقمة الأفريقية (بصفتهم المستهدفين بالمشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين) بأن يرفعوا سقف بيانات هذه القمم مجتمعة أو متفرقة، من خلال المطالب التالية: 1- المطالبة والقيام بخطوات عملية لنقل مقر الأممالمتحدة من نيويورك إلى دولة جنوب أفريقيا، تكريماً لها على وقوفها المشرف بجانب الحق الفلسطيني ضد الجرائم الأمريكية في فلسطين والمنطقة، أو أي دولة تحترم القانون والمواثيق الدولية، وتعبيراً عن رفض دول العالم للمواقف المساندة للظلم والقهر والاستعمار ضد حقوق الشعوب على حساب القانون الدولي خاصة الشعب العربي الفلسطيني. أكثر دولة تستغل الأممالمتحدة وتستغل سلطتها في مجلس الأمن هي الولاياتالمتحدة، ومع ذلك تعد أمريكا من أقل الدول احتراماً للأمم المتحدة ومنظماتها والقانون الدولي ومواثيق الأممالمتحدة. هذا الموقف يستحق أن يتم تسجيله والعمل عليه حتى لو انسحبت أمريكا والمستعمرون من الأممالمتحدة. 2- على القمة العربية والإسلامية والأفريقية دفع بريطانيا للاعتراف بمسؤوليتها عما يجري في فلسطين ودفع تعويضات لكل فلسطيني منذ بدء الاحتلال الصهيوني لفلسطين وحتى قيام دولة فلسطين. فالانتداب البريطاني هو من تسبب بزرع الكيان الغاصب في فلسطين، وهو المسؤول قانونياً وسياسياً وأخلاقيا عن كل الجرائم التي ترتكبها أمريكا وحلفاؤها بحق الشعب الفلسطيني. 3- على منظمة التحرير سحب الاعتراف بالكيان الغاصب، والعودة لنقطة الصفر، طالما تكشفت نوايا الاحتلال التوسعية في فلسطين والمنطقة ورفضه الاعتراف بحل الدولتين. 4- العمل على قطع علاقات الدول العربية مع الكيان الغاصب وإطلاق حملة عالمية لمحاصرة الكيان الغاصب سياسياً واقتصاديا، بالتزامن مع الوعي العالمي بحقوق الشعب الفلسطيني. 5- الاستثمار السياسي في علاقات المجموعة العربية والإسلامية والأفريقية مع الصين، وروسيا ومع المجموعة اللاتينية، ومجموعة بريكس. * نقلا عن عكاظ *