بدأ تاريخ السكك الحديدية تقريباً في القرن السادس قبل الميلاد في اليونان القديمة عبر حزوز في الحجر الجيري لنقل القوارب إلى المياه، ثم استخدمت القضبان الخشبية في النمسا عام 151م، وتم بناء أول قاطرة بخار في بريطانيا عام 1804م على يد المهندس ريتشارد تريفيسميك، وتم إدخال أول قاطرة كهربائية عام 1837م بواسطة الكيميائي روبرت ديفيدسون الإسكتلندي، وتم افتتاح أول سكة حديد في بريطانيا عام 1825م بتخطيط من الإنجليزي جورج ستيفنسون بين (ستوكتون، دارلنجتون، شيلدون) بطول 40 كم، وفي عام 1842م أصبح ركوب القطار أمراً محترماً عندما سافرت الملكة فيكتوريا به. ويُعد النقل بالسكك الحديدية إحدى الدعائم الأساسية للاقتصاد المحلي؛ لأنه يحمل العبء الأكبر بالتزامات النقل سواء بالنسبة للبضائع أو الركاب بين المناطق كافة وبأقل التكاليف، وملاءمته للحجوم الكبيرة والمسافات الطويلة، ويشكل مردوداً اقتصادياً كبيراً وسياحياً أيضاً، وكونه أهم داعم للتكامل الاقتصادي والتجاري بين الدول؛ لذلك اهتمت به الدول الصناعية الكبيرة مثل (الصين، أميركا، اليابان..). وتنبهت مملكتنا الحبيبة لأهمية النقل السككي، فبدأت بخط شحن البضائع من ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام إلى الرياض الذي افتتحه الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- عام 1951م، ثم تبعه خط نقل الركاب، وخلال السنوات الماضية شهدت السكك الحديدية تطوراً كبيراً تمثل بإنشاء قطار الشمال بطول 2750 كم، وقطار الحرمين الذي يعد من أسرع 10 قطارات كهربائية حول العالم، وتبلغ أطوال السكك الحديدية في المملكة حالياً ما يزيد على 5380كم، وأخيراً تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للنقل لتحقيق عدة أهداف، أهمها تحقيق التكامل والترابط في منظومة النقل والخدمات اللوجستية، وربط الموانئ الخليجية بالسكك الحديدية؛ بحيث تكون المملكة محوراً رئيساً لجميع المشروعات لتطوير التجارة بين الشرق والغرب من خلال ربط موانئ الخليج مع موانئ البحر الأحمر الذي تمر عبره 13 % من التجارة العالمية، وأهم هذه المشروعات مشروع الجسر البري الذي سيربط شرق المملكة بغربها بطول 1150 كم عبر العاصمة الرياض، وشرقي المملكة ثمة خط القطار الخليجي بطول 628 كم داخل الأراضي السعودية بين الحدود مع الكويت شمالاً، والحدود مع الإمارات جنوباً، وهناك أيضاً مشروع الجسر الجديد مع البحرين الموازي لجسر الملك فهد، والذي من المتوقع أن يتضمن خطاً للسكك الحديدية، ويتوقع أن يزيد طول السكك الحديدية إلى 9200 كم. وبالنظر في تجارب الدول بالنقل السككي نجد أن الصين بذلت جهوداً كبيرة لزيادة قدرة النقل للقطارات، من خلال تهيئة البنية التحتية للسكك الحديدية وربطها بالدول المجاورة وغير المجاورة كما في مبادرة الحزام والطريق التي تصل إلى أوروبا، فقد بلغ عدد رحلات قطارات الشحن بين الصين وأوروبا أكثر من 10 آلاف رحلة حتى أغسطس 2022م، ويتوقع أن تصل أطوال السكك الحديدية في الصين إلى نحو 170 ألف كيلومتر بحلول عام 2025م وفقاً لبيانات شركة المجموعة الوطنية الصينية المحدودة للسكك الحديدية، منها خطوط السكك الحديدية فائقة السرعة الرابطة بين المدن بطول 50 ألف كيلومتر. قد يظن البعض أن الصحراء قد تشكل عائقاً أمام مد السكك الحديدية لجميع مدن المملكة، لكن إذا نظرنا في تجربة الصين مع النقل السككي سنجد أنه يمكن التغلب على جميع العوائق؛ فالصين استطاعت ترويض الصحراء عندما نجحت بمد سكة حديد بين خوتان - روه تشيانغ ضمن صحراء تكلامكان التي تعرف باسم بحر الموت ثاني أكبر صحراء متحركة في العالم، ويستمر موسم الرياح فيها 7 أشهر، وقد كافحت الرمال باستخدام الغطاء النباتي لمنع الرياح وتثبيت الرمال عن طريق المربعات العشبية وزراعة أكثر من 13 مليون شجيرة، وتم استخدام الجسور في المناطق ذات العواصف الرملية الشديدة مما يقلل من التأثير على الخطوط ومرور القطارات، وفي مارس 2022م اجتاز المشروع الأشبه بالمعجزة القبول الديناميكي. وإذا ما تمت المقارنة بين المملكة واليابان من حيث المساحة وأطوال السكك الحديدية نجد أن أطوال السكك الحديدية في اليابان "27.311"كم، أكثر بنحو خمسة أضعاف من أطوال السكك الحديدية في المملكة "5380كم"، مع أن مساحة المملكة "2.150.000"كم2 أكبر من مساحة اليابان "377.975" كم2 بأكثر من خمسة أضعاف، كما أن اليابان عبارة عن جزر يصعب ربطها بشبكة قطارات قليلة التكلفة حيث تم حفر نفق بحري بطول 18 كم تحت مضيق كامار لمد خط حديد بين مدينتي أوكاياما وهاكاتا، ومع ذلك وفرّت القطارات ذوات السرعات الكبيرة، وبأسعار تنافسية، مما انعكس إيجاباً على تنمية وتطوير هذا القطاع المهم من قطاعات النقل، وأسهم في تحقيق نهضة تجارية خارجية وتحسين مستوى الدخل القومي لديها. أتمنى رؤية تنفيذ مشروع الجسر الأرضي الذي يربط بين الرياضوجدة بالسكك الحديدية، وكذلك ربط الخط من الشرق للغرب بخط لشمالي المملكة، وإضافة محطات في المدن الصناعية التي تمر فيها السكك الحديدية مثل مدينة سدير وغيرها، وتقديم خدمات نقل مميزة ذات جودة عالية وموثوقية تساهم في التطور والنمو الصناعي والاقتصادي، والاعتماد على نظام ذكي للسكك الحديدية مما يؤدي إلى رفع معدلات السلامة المرورية وتقليل استهلاك الوقود وخفض انبعاثات الكربون وزيادة كفاءة نقل البضائع مما يعزز من تنافسية السلع السعودية عبر خفض كلفة النقل، والربط مع دول الجوار؛ مما يزيد من جاذبية السوق السعودية للمستثمرين الأفراد، ويسهل التنقل ونقل البضائع، فكم هو رائع أن ترى موانئ الخليج العربي وبحر عمان وبحر العرب والبحر الأحمر موصولة جميعها بالخطوط الحديدية مخترقة أراضي المملكة العربية السعودية ناقلة ما تنتجه دول الخليج من نفط وغاز وبتروكيميائيات وغيرها، وبذلك يمكن الاستغناء بشكل كبير عن مضيق هرمز الذي تهدد إيران بإغلاقه في وجه التجارة العالمية، كما أن زراعة المربعات العشبية والأشجار على جوانب الخطوط الحديدية التي تمر في الصحراء ستكون لها عظيم الأثر على بيئة المملكة وستسهم بشكل مباشر في تحقيق مبادرة السعودية الخضراء. إن قيادة المملكة الحكيمة -حفظها الله- أولت هذا القطاع الحيوي أهميةً بالغة؛ لما له من مساهمات في تسهيل حركة تنقل الناس وربط المدن والمناطق كافة، وجذب الاستثمارات الخارجية وتنشيط الحركتين التجارية والاقتصادية، والمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني برفع منظومة النقل والخدمات اللوجستية من وتيرة أعمالها في المرحلة المقبلة، ومواصلة رحلتها في كتابة صفحات مليئة بالإنجازات، سعياً لتحقيق رؤية المملكة 2030م. نقلا عن الرياض