كان هناك وما زال تنازع بين المنظرين والإستراتيجيين حيال الهدف من الحصول على الشهادة الجامعية، وإن كانت الكفة اليوم محلياً وعالمياً تميل وبقوة نحو القائلين إن الحصول على الوظيفة هو الغاية والهدف، وأن السوق هو صاحب الكلمة العليا، وهو الموجه للجامعات في رسم إستراتيجياتها الأكاديمية، ولذا بدأت الجامعات الواعي رئيسها والمدرك مجلسها طبيعة المرحلة ومتطلباتها التحرك على هذا الأساس، وكما هو معلوم فإن السوق يحكمه العرض والطلب، والخريج صار بمنزلة سلعة - أردنا ذلك أو لم نرد- يخضع لقانون العرض والطلب، والمنافسة في سوق العمل السعودي في ظل هذا العدد الكبير من الجامعات سوق منافسة كاملة، وتختلف القيمة السوقية حسب التكوين المعرفي والمهاري والقيمي للخريج، ولذلك فإن ما يهم ولي أمر الطالب والمخطط الإستراتيجي في النهاية، كم مقدار القيمة السوقية لهذا الطالب ولهذه الطالبة، سواء أكان طبيباً أو مهندساً أو تقنياً أو إدارياً أو شرعياً. قانونياً، لا يهمه تقدمك في تقييم الجامعات الخارجية، أو حسب المقياس العالمي المعروف، أو كثرة الاقتباسات من أبحاث جامعاتك، أو كم تنشر من دراسات، أو فوز فريقك في مسابقة ما مع أهمية ذلك كله، ولكنها تأتي تبعًا وهي في الأهمية أقل بكثير من جودة الخريج وجاهزيته لسوق العمل السعودي، وعلى هذا الأساس فإنني أقترح وجود (المقياس الوطني لقيمة الخريج السوقية) فهي المؤشر على الجودة الواقعية في نظري، وهي ما سيرفع أسهم هذه الجامعة أو تلك في زمن الخصخصة، وهو الذي سيدفع ولي الأمر إلحاق أولاده في هذه الجامعة المتميزة في تخصص ما دون غيرها، وهو بصدق بعيداً عن الحسابات الشخصية مضمار التنافس والسباق الحقيقي بين الجامعات الذي ينعكس أثره على الوطن وينعم فيه المواطن. المشكلة اليوم ليست فقط في التخصص غير المطلوب في سوق العمل، فهي - أعني المشكلة - تجاوزت هذا الأمر إلى التنافسية في دائرة التخصصات المطلوبة، وبدأ القطاع الخاص يضع قيمة سوقية للجامعات حسب خبرته السابقة في التوظيف، ولذا لا يقف الأمر عند افتتاح تخصصات مطلوبة في السوق بل يجب الحرص على التكوين التكاملي للخريج من أجل رفع قيمته السوقية، وهذا ليس بالأمر الهين إذ يتطلب وجود أعضاء هيئة تدريس متخصصين ومتميزين ودفع رواتب مغرية لهم من أجل استقطابهم، وتوفير البيئة الأكاديمية المثالية لهم وللطلاب، والحرص على جودة التدريب، وإكساب الطالب المتطلبات المهارية والقيمية فضلاً عن التزود بالعلم المعمق والمعارف المساندة، وربط الشراكات الحقيقية لا الشكلية مع القطاع الخاص، والتنسيق الدائم بين الشركات والمؤسسات والهيئات ذات الصلة المباشرة بالتخصص المعين مع عمادات الكليات حتى يتسنى إعداد الخريج بشكل علمي تكاملي يوفر له القدرة على التنافسية الفعلية بعد التخرج، وفق الله الجميع، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام. نقلا عن الجزيرة