قامت إحدى الجامعات الحكومية بخطوة موفقة بإيقاف القبول في بعض البرامج الجامعية التي قد عفى عليها الزمان، وأصبحت لا تتوافق مع احتياجات سوق العمل حاليًا، كبرامج التربية الفنية، والتربية الأسرية، ورياض الأطفال، حتى يتم تحديثها بما يتواكب مع متطلبات سوق العمل وتحقيقًا لرؤية السعودية 2030. وقد قامت الجامعة نفسها سابقًا بدمج تخصص الغذاء والتغذية مع تخصص التغذية العلاجية للرفع من مستوى البرامج الأكاديمية والمخرجات التعليمية، وبالتالي تزيد فرص الخريجين بما يتماشى مع تطورات سوق العمل. تتجه الجامعات المحلية والعالمية في العصر الحالي إلى تقليص البرامج أو دمجها، ولهذا الأمر بُعد أكاديمي وبُعد اقتصادي في الوقت نفسه. فمن الناحية الأكاديمية قامت - على سبيل المثال - إحدى الجامعات البريطانية بخطة لإيقاف برامج الأدب الإنجليزي؛ نظرًا لعدم وجود فرص وظيفية للخريجين، وارتفاع مستوى المتطلبات التي يفرضها أصحاب الأعمال على المتقدمين للوظائف، وأقصد هنا الوظائف الدائمة في الشركات والقطاعات المرموقة، ولا أقصد الوظائف الصغيرة التي لا تتطلب درجة علمية للحصول عليها. كما قامت مجموعة أخرى من الجامعات في لندن بدمج برنامج الدكتوراه في السنة الأولى، التي يتطلب من الباحث أو طالب الدكتوراه بدراسة عدد من المواد التي تتيح له فهم النظريات والتطبيقات التي تكون وثيقة الصلة بالبحث، فبدلاً من أن يتم تقديم المواد نفسها في ثلاث جامعات مختلفة لطلبة الدكتوراه ولعدد محدود، فقد تم دمج الدارسين في برنامج الدكتوراه في الثلاث الجامعات، وسيتم تقديم كل مادة في جامعة واحدة فقط، فبدلاً من أن يتم تقديم المادة الواحدة ثلاث مرات في ثلاث جامعات مختلفة لعدد 5 إلى 7 طلاب، فسيتم تقديمها في جامعة واحدة فقط لعدد 10-15 طالبًا، وبالتالي تقل تكلفة المادة، وترفع من جودة مستوى المادة العلمية المقدمة، خصوصًا إذا تم اختيار الشخص المناسب والأعلى خبرة والمتخصص في مجال المادة من كل جامعة من الجامعات الثلاث، كما سيتم تبادل الخبرات والمعلومات بين الطلاب القادمين من الثلاث الجامعات المختلفة ومن دول وثقافات مختلفة، وقد يزيد التنافس الشريف فيما بينهم بما يرفع من مستوى الثقافة البحثية والنشر العلمي، بل قد تنتج أبحاث علمية مشتركة قد تتعدى المستوى المتوقع من هؤلاء الطلبة بمراحل. كما أنه ستقل كمية التكاليف المادية المترتبة على تقديم هذه المادة، والأهم من ذلك سيقل العبء الدراسي التعليمي المترتب على أعضاء هيئة التدريس، ويتسنى لهم الوقت الكافي للتركيز على أداء الأبحاث العلمية، والتركيز على النشر البحثي المتميز، التي سترفع من مرتبة الجامعة في التصنيفات العالمية، وبالتالي سيرفع ذلك من مستوى الرضا العام للطلاب، نظرًا لقوة المادة التعليمية المقدمة لهم، خصوصًا أن طلبة الدكتوراه غالبًا يتم قبولهم وفق معايير محددة وحسب قدراتهم البحثية والعلمية. لا شك أن من المهم أن تقوم الجامعات الحكومية والأهلية بالبدء بالتفكير في آلية كيفية تطبيق عمليات الدمج في البرامج الدراسية أو حتى المواد الأكاديمية أو إلغاء البرامج الأكاديمية أو إيقاف القبول بها والتركيز على تحدياتها، وهذه العملية مهمة ومن شأنها تطوير وتحسين التعليم الجامعي، وتجويده في نهاية المطاف، والرفع من مستوى المخرجات، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن عملية الدمج يجب أن تتم بدراسة مسبقة ومستوفية لتحقيق الشروط والمتطلبات الأكاديمية المطلوبة لتحقيق الاعتمادات، وكذلك التأكد من وضع خطة ومشروعات بحثية لأعضاء هيئة التدريس خلال الفصل الدراسي الواحد، الذي ستتم فيه عملية الدمج بين المواد الدراسية أو بعد اندماج البرامج الدراسية. إن رؤية 2030 قد فتحت لنا آفاقًا جديدة في التركيز على التعليم العالي، الذي تُبنى عليه الأجيال القادمة، وذلك للحد من نسبة البطالة، والرفع من مستوى المخرجات التعليمية بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل وتطوراته. * طالبة دكتوراه في تخصص الاقتصاد جامعة ريدنج البريطانية