ردود الأفعال عقب الاجتماع الوزاري ال33 لدول منظمة "أوبك" والدول المنتجة للنفط من خارج المنظومة الذي عقد الأسبوع الماضي، وتم الاتفاق فيه على مجموعة من القرارات المهمة، وعلى رأسها بلا شك، قرار خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يوميا من مستويات الإنتاج المطلوب في آب (أغسطس)، وذلك ابتداء من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. تباينت ردود الأفعال حول هذا القرار، فهناك من يثني على هذا القرار وأهميته التي تنعكس على استقرار أسواق النفط وتوازن منظومة العرض والطلب لخدمة مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، ومنهم على النقيض من يرى أن هذا القرار لا يصب في مصلحة أسواق النفط، وأن خلفه أجندات سياسية. قبل تسليط الضوء على هذا التباين في التعاطي مع قرار خفض الإنتاج وتفنيد بعض الاتهامات، أجد من الضرورة بمكان تسليط الضوء قبل ذلك على واقع أسواق النفط قبل قرار خفض الإنتاج بلغة الأرقام، فلا أبلغ ولا أصدق منها. بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، في أحد تقاريرها الحديثة، فإن الطلب العالمي على النفط بلغ نحو 99.8 مليون برميل يوميا، وفي المقابل بلغ العرض نحو 101.8 مليون برميل يوميا، أي إن العرض يفوق الطلب بمليوني برميل من النفط يوميا! الأرقام بكل تجرد توضح أن خفض الإنتاج الذي تم ليس إلا قرارا صحيحا ينضم إلى سابقه من قرارات مسؤولة، وهي قرارات اقتصادية صرفة بعيدة كل البعد عن التسييس، أو تدفعها أجندات خفية تخدم مصالح بعض أعضاء التحالف. بعد هذا القرار كشر الإعلام الأمريكي عن أنيابه، وتصدر بعض النواب الأمريكيين المحاولة غير المفاجئة - في رأيي - لتضليل الرأي العالمي عموما، والداخل الأمريكي خصوصا عن أهداف قرار الخفض، باتهام السعودية بالانحياز إلى روسيا في هذا القرار! ضاربين بعرض الحائط الأرقام والدوافع والأهداف الحقيقية له، بل متجاهلين برعونة كون هذا القرار قد اتخذ بالإجماع من قبل أعضاء "أوبك +" البالغ عددهم 23 عضوا، منهم 13 عضوا من "أوبك" وعشرة أعضاء من المنتجين المستقلين من خارجها. الرئيس الأمريكي انتقد هذا القرار أيضا واتهمه بالتسييس، لكن كما ذكرت لست متفاجئا من هذه الحملات الإعلامية ومن الاتهامات الباطلة، كوننا الآن على عتبات الانتخابات الأمريكية، ومن أكثر ما يهم الناخب الأمريكي أسعار الوقود التي تؤثر تأثيرا قويا في معدلات التضخم في أمريكا. كان من الأولى - في اعتقادي - على الإدارة الأمريكية توجيه تركيزها على لب المشكلات الداخلية التي يعانيها الداخل الأمريكي، فليس ل"أوبك+" ولا السعودية ولا حتى روسيا علاقة بحجم الطاقة التكريرية للنفط في أمريكا التي لا تتوازى مع كميات الطلب التي أسهمت بصورة مؤثرة في ارتفاع أسعار البنزين. ليس لهم قرار كذلك في إمكانية وقف صادرات المشتقات النفطية الأمريكية حتى تلبي حاجة أسواقهم. الحقيقة بتجرد أن أمريكا وأوروبا تقف كلتاهما على عتبات أمر مهم، فالأولى تقف على عتبات الانتخابات، والأخيرة على عتبات الشتاء، وفي كلا الملفين نجد أن الطاقة كانت وما زالت وستبقى على رأس القضايا المهمة لهما وللعالم أجمع، فلن يفاجئني تصريح من هنا أو هناك لتخفيف الضغط، أو لتعتيم الحقيقة. انحياز السعودية دائما واضح وجلي مثل عين الشمس، فهي منحازة دائما إلى الحكمة والمسؤولية، ومنحازة إلى مصلحة استقرار أسواق النفط والمنتجين والمستهلكين.