وصلتني مؤخرا عبر )الواتس اب( قائمة متداولة في جروبات ومنصات السوشيل ميديا، تدعي أنها رواتب ومكافآت وحوافز بعض من تعاقدت معهم وزارة الاعلام تقديم خدمات واستشارات إعالمية لها ولقطاعاتها. وهذه القائمة التي تجاوزت مبالغها حاجز ال30 مليون ريال سنويا لنحو 20 قياديا بمساعديهم،-إن صحت أو لم تصح أرقامها-، فإنها تعيد طرح التساؤالت حول ملف »إصالح اإلعالم« وهل يسير بخطى حثيثة أم ما زال يراوح مكانه؟؛ ألن النتيجة حتى اآلن »لم ينجح أحد«. كمنتم للوسط اإلعالمي منذ سنوات طويلة عبر الصحافة المكتوبة، لم ألمس أي تحديث طرأ على هذا القطاع منذ 20 عاما، باستثناء اجتهادات فردية نفذتها بعض المؤسسات الصحفية على فترات متباعدة، لكنها تكسرت بين مطرقة منظومة عمل غير محترفة، وسندان تشريعات بالية. وكمسؤول تعامل من موقع القيادة مع آخر أربعة وزراء إعالم، أدعي أنني حضرت عشرات االجتماعات التي نوقشت فيها مختلف معوقات القطاع، واستمعت فيها لوعود وتطمينات عديدة باإلصالح والتغيير، إال أنه لم يتغير شيء سوى اختالف من يطلق الوعود. واقع الحال أننا ككيانات إعالمية معنية بهذا الشأن ال نعلم شيئا عما يدور في كواليس »اإلعالم«، وما إذا كان هناك عمل حقيقي أو ال؟ ألنه لو كان هناك عمل فهو بالتأكيد ليس قريبا من الحل، ألننا ال نشعر بشيء يتغير من حولنا. وإن كان ال يوجد فاألولى بالوزارة أن تعيد النظر في آلية معالجتها لهذا الملف؛ ألنه منذ انطلاق قطار رؤية المملكة 2030 في أبريل 2016 ،لم نر لإلعالم أي مشروع فعلي، سوى قفز مركز التواصل الحكومي على دور المؤسسات الصحفية. الاكيد أن هناك حالة من عدم الرضا عن المشهد اإلعالمي بالكلية، بدليل تغيير 4 وزراء إعالم في آخر خمس سنوات، وال أعتقد أن هذا التغيير بسبب ضعف وترهل المؤسسات الصحفية فقط، بل نتيجة رداءة جميع المنتجات اإلعالمية األخرى من قنوات تلفزيونية، ومحطات إذاعية، ونشر الكتروني وحضور باهت في الخارج،وهوية مهزوزة بالداخل، ومن ينكر ذلك فهو جاهل أو مكابر. وبالرغم من هذا السوء المتشعب إال أننا ال نرى سهام النقد توجه سوى للمؤسسات الصحفية، فهل السبب أن جدارها قصير وبالتالي يستطيع أي من كان التسلق عليه؟ أم ما يتعذر قوله عن اإلعالم الحكومي يستعاض عنه بجلد المؤسسات تحت قاعدة »إياك أعني واسمعي يا جارة«. لذا أتمنى على وزير اإلعالم، الرجل النزيه المنصف، أال يكتفي بآراء من حوله من مستشارين، حيث يبدو أن بعضهم قد »باع القضية« بعد أن تحلل من أعباء مؤسسته، وليستمع أيضا لمن يمارسون هذا العمل بشكل يومي، ويكتوون بنار تحدياته ليل نهار، ويحرصون على إصالحه واستقامته أكثر من حرصهم على تحقيق مصالح ذاتية، كل في مجاله وتخصصه. شخصيا ومن واقع خبرتي في المجال الصحفي، أجزم أن وزارات اإلعالم السابقة تتحمل مسؤولية ما وصلت إليه مؤسساتنا الصحفية اليوم من سوء حال، كونهاكانت صاحبة القرار في إصدار التشريعات والتنظيمات الكفيلة بإجبارها على التحول ومواكبة متغيرات كل مرحلة، إال أنها اختارت أن تتجاهل ذلك طوال عقدين من الزمن. وهذا بالتأكيد ال يعني دفع المسؤولية عن إدارات تلك المؤسسات، بل لديها من األخطاء والسوء الشيء الكثير، يكفي أن قبولها بهذا الجمود دون الدفع نحو التغيير،يعتبر جريمة بحق صناعة اإلعالم نفسها. لذا فإصالح ما أفسده السابقون يبدأ بإيجاد هيئة تعنى بتطوير اإلعالم وتحديثه بدال من االكتفاء بمراقبته ومحاسبته، تحويل المؤسسات الصحفية لشركات مساهمة تمنحها المرونة في تنويع مصادر دخلها، السماح لصناديق اإلقراض الحكومية بإقراضها لتطوير أوضاعها، استعادة السوق اإلعالنية من مافيا الشركات األجنبية، وضع ضوابط تحمي اإلعالن الرقمي من تغول الشركات األمريكية )قوقل وتويتر وفيس بوك وأخواتها(، تفعيل ملف االشتراكات الرقمية مقابل خدمات إعالمية للجهات الحكومية، حماية المحتوى اإلعالمي بتغليظ عقوبة السطو عليه، وأخيرا إعادة الموثوقية للمؤسسات الصحفية لتصبح جاذبة للسعوديين.. فهل تحقيق ذلك بالامر الصعب؟ أم ال توجد إرادة حقيقية لتغيير حال تلك المؤسسات، وينتظر فقط موتها، دون عناء إطالق رصاصة الرحمة عليه نقلا عن مكة