حديث صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل على هامش حوار المنامة 2020، حول القضية الفلسطينية ليس مفاجئا للذين يعرفون تاريخ المملكة العربية السعودية وموقفها من القضية الفلسطينية، وإسرائيل التي تبذل جهوداً كبرى للاقتراب من الدول العربية والخليجية، عليها الاستعداد لسماع مثل هذا الكلام حتى في الدول التي تطبع مع إسرائيل، لأنه من الخطأ أن تعتقد إسرائيل أن الشعوب يمكنها أن تنسى حق الفلسطينيين بمجرد التطبيع، ولنا أمثلة تطبيعية يمكن الانطلاق منها، قد تختلف الدول العربية حول الكيفية التي تدار بها القضية من قبل السلطة الفلسطينية أو المنظمات الأخرى وقد تتبنى الدول العربية بعض المواقف الضاغطة على القيادات الفلسطينية من أجل التحرك للأمام في سبيل تحقيق نتائج تخدم القضية لصالح أبنائها الذين يعانون نتائجها، وكل هذا لا يمكنه أن يلغي أسس القضية في الفضاء العربي. يخطئ وبقوة من يعتقد أن الموقف السعودي يأتي في سياق الشعارات التي اعتاد العالم العربي على سماعها خلال السبعة عقود الماضية، التعامل السعودي مع القضية الفلسطينية ظل مستندا إلى قواعد واضحة منذ اليوم الأول لوجود إسرائيل، فالسعودية كانت ومازالت تقول إن هناك حقوقا للفلسطينيين لا بد أن تدفع قبل أي تسوية، هذه الحقوق تضمن لهم أرضاً يعيشون فيها بسلام، والمملكة هي من تبنّى مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية في العام 2002م، في القمة العربية في بيروت وتهدف هذه المبادرة إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها وفقا لحدود العام 1967م، وعودة اللاجئيين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة كل ذلك في مقابل الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها. هذه المبادرة تقتضي الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، وتدعو إلى التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرارات الدولية، وأن تقبل إسرائيل قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدسالشرقية، كل ذلك إذا ما حدث فإن الدول العربية سوف تعلن انتهاء النزاع العربي الإسرائيلي عبر إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل وفي إطار سلام شامل يضمن للجميع الحق في العيش بسلام، هذه المبادرة ظلت محوراً مهما في التصريحات الرسمية للمملكة من خلال تصريحات مسؤوليها التي تؤكد التزام السعودية بالسلام كخيار استراتيجي مستند على مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية التي صدرت من الهيئات الدولية. هذه اللمحة حول ماهية مبادرة السلام العربية وأسسها، تقودنا إلى استنتاج الصورة الكاملة التي تقف أمامها السياسية السعودية بإصرار، وهذا يعني أن القضية الفلسطينية، وهي تاريخيا تواجدت في أروقة السياسة السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - هي قضية لا يمكن فصلها عن جذور تاريخية نشأت حولها في أروقة السياسة السعودية، وهذا ما يرسخ الانطباع القائل إن اختلاف السياسات في المنطقة أو المواقف لا يمكن أن يشكل الجزء الأهم من التاريخ الخاص في القضية الفلسطينية التي يدرك الجميع أنها قضية تتطلب وقوف دولة مهمة مثل المملكة بجانبها، وذلك لأن الوزن السياسي السعودي يختلف كثيرا عن الأوزان الأخرى، فالسعودية وبحكم مكانتها الروحية والسياسية والاقتصادية على المستوى العربي والإسلامي والدولي، تعتبر المعقل الأهم للقضية الفلسطينية ما لم تتجرد المواقف الدولية من إنسانيتها من خلال انتهاك الحقوق الفلسطينية وتشريد هذه القضية في التاريخ الإنساني. السؤال الذي يقول: لماذا تصر السعودية على الحق الفلسطيني؟ لا يمكن الإجابة عليه دون استيعاب كامل لتاريخ القضية الفلسطينية، فالمنطلق التاريخي منطلق مهم لفهم حقيقة القضية في أروقة السياسة السعودية، كما أن الموقف السعودي من السلام سبق الكثير من الدول، وقد رمت السياسة السعودية بثقلها السياسي العربي والدولي من أجل التوصل إلى تلك المبادرة العربية التي تضمن للشعب الفلسطيني حقه في العيش بدولة مستقلة وسلام دائم. استنادا إلى التاريخ، فإن المملكة لن تقبل المنطلقات الهشة للحل ولن تشارك فيها إلا في إطار يحقق السلام في المنطقة، مع رغبتها الدائمة لحل القضية وفق الحقوق المشتركة بين أطرافها، وقد نسمع دائما وبشكل متكرر أنه يتعذر حل القضية الفلسطينية لافتقارها إلى العناصر المؤدية للحل، وأن مصير القضية الفلسطينية أصبح مرتبطا بزوالها عن التواجد في الملفات السياسية، هذه المقولة لا يمكن السماح لها بالدخول من الأبواب الخلفية للثقافة السياسية العربية، لأن دولة بحجم السعودية تدرك أن تبعات ذوبان القضية الفلسطينة في مسارات متعرجة له أثر أكبر على المستقبل العربي كله، ولن يكون السلام والاستقرار مكتملاً ما لم يكن مشتركاً بين أطراف هذه القضية. نقلا عن الرياض