صدر عن صندوق النقد العربي الإصدار الثاني من تقرير الاستقرار المالي في الدول العربية،الذي تم إعداده بالتعاون والتنسيق بين صندوق النقد العربي وفريق عمل الاستقرار المالي في الدول العربية، المنبثق عن مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، والمكون من مدراء الإدارات المعنية بالاستقرار المالي لدى المصارف المركزية العربية. تناول التقرير بفصوله التسعة عدة جوانب اقتصادية ومالية تهم الدول العربية في إطار سعيها لتعزيز الاستقرار المالي، حيث تناول الفصل الأول التطورات الاقتصادية الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الاستقرار المالي العربي. تم إلقاء الضوء في هذا الفصل على التحديات التي تواجه إقتصادات الدول العربية وأثر الإنعكاسات المتوقعة للتطورات الاقتصادية العالمية، مثل ارتفاع أسعار النفط وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية. أكد التقرير على أهمية دور صانعي السياسات، والبنوك المركزية في تنفيذ إصلاحات هيكلية ومالية لتعزيز النمو الاقتصادي بما ينعكس إيجاباً على الاستقرار المالي. أما الفصل الثاني، فقد تناول تطورات الأطر التشريعية والمؤسسية للإستقرار المالي في الدول العربية، حيث بيّن التقرير جهود المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية الراميةلتطوير الأطر المؤسسية والتشريعية لتعزيز الاستقرار المالي، بما في ذلك جهود التنسيق مع السلطات الإشرافية الأخرى. تناول الفصل الثالث تطورات أداء القطاع المصرفي العربي والمخاطر المحتملة، حيث بيّن التقرير أبرز المؤشرات المالية المتعلقة بالقطاع المصرفي العربي الذي يبلغ حجم موجوداته حوالي 3.4 ترليون دولار مشكلاً ما نسبته 124 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمجموع الدول العربية. نجح القطاع المصرفي العربي في تخفيض نسبة التسهيلات غير العاملة إلى إجمالي التسهيلات لديه إلى أدنى مستوى خلال الفترة (2013-2017) لتبلغ ما نسبته 6.5 في المائة في نهاية عام 2017، إلا أنها ارتفعت بشكل طفيف خلال عام 2018 لتصل إلى 6.8 في المائة، وقد يُعزى الارتفاعالطفيف في متوسط نسبة التسهيلات غير العاملة إلى إجمالي التسهيلات إلى بدء عدة دول بتطبيق المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية (IFRS9)، حيث يشمل نطاق تطبيق المعيار التسهيلات الائتمانية الجيدة وغير الجيدة. يُذكر أن تطبيق المعيار المذكور سيؤدي إلى تعزيز متانة وملاءة البنوك والتحوط للصدمات المحتملة ويحسن نوعية موجودات هذا القطاع.في هذا السياق،أظهر التقرير تميز القطاع المصرفي العربي بملاءة مالية مرتفعة، إذ وصل معدل كفاية رأس المال للقطاع المصرفي العربي إلى ما نسبته 17 في المائة في نهاية عام 2018، وهي نسبة أعلى من تلك المطبقة دولياً حسب معيار بازل Ⅲ والبالغة 10.5 في المائة، الأمر الذي يُشير إلى تمتع القطاع المصرفي العربي بملاءة عالية ويعزز من قدرته على استيعاب أية خسائر محتملة. أما عن أداء هذا القطاع، فقد أظهر التقرير تراجعاً طفيفاًلمعدل العائد على الموجودات لأول مرة منذ عام 2015، ليبلغ 1.23 في المائة في نهاية عام 2018، تُعطي هذه النسبة الموجبة مؤشراً على كفاءة عملية منح الائتمان لدى القطاع المصرفي وقدرته على المحافظة على الموجودات، وتنميتها من خلال تحقيق عوائد مناسبة عليها، مما يعزز من تدفق الاستثمارات للقطاع المصرفي، وزيادة درجة الثقة في سلامته. في المقابل تراجع معدل العائد على حقوق الملكية بشكل طفيف للعام الثالث على التوالي ليصل إلى 12.5 في المائة في نهاية عام 2018. على الرغم من تراجعها إلا أن هذه النسبةتعكس الأداء الجيد للبنوك وفاعليتها في استخدام رأسمالها وقدرتها على مواجهة الخسائر التي من الممكن أن تتعرض لها مستقبلاً. يخلص التقرير إلى أن القطاع المصرفي العربي وبالرغم من التحديات والمخاطر، كان مستقراً وقادراً بشكل عام على تحمل الصدمات، وذلك في ضوء ما حققه القطاع من مستويات جيدة من رأس المال وجودة الأصول والربحية، وهو ما يعكس جهود المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية. أما الفصل الرابع، فقد تناول تطورات القطاع المالي غير المصرفي في الدول العربية والمخاطر المحتملة. تضمن الفصل تحليلاً لأداء كل من: قطاع شركات التأمين والأسواق المالية العربية وقطاع مؤسسات التمويل الأصغر وشركات التمويل الجماعي وشركات التمويل الأخرى، إضافة إلى قطاع شركات الصرافة. خلص الفصل إلى أن القطاع المالي غير المصرفي في الدول العربية على الرغم من صغر حجمه مقارنةً مع القطاع المصرفي، متين ومستقر. أكدالتقريرفي هذا الصدد، علىأهمية تنظيم كافة مؤسسات القطاع وخصوصاً شركات التمويل وتوفير تعريف واضح له وتوفير أكبر قدر ممكن من البيانات والمعلومات عنه، وذلك للوقوف على مخاطره وتحدياته بشكل دقيق. كما دعا التقرير إلى متابعة جهود تطوير المؤسسات المالية غير المصرفية في الدول العربية، بالنظر لصغر مساهمة القطاع المالي غير المصرفي في تمويل الإقتصادات العربية. قدم الفصل الخامس تحليلاً لتطورات نظم البنية التحتية للقطاع المالي والمصرفي في الدول العربية، حيث بيّن الفصل جهود المصارف المركزية العربية ومؤسسات النقد العربية في تطوير البنية التحتية، وذلك في إطار سعيها لتحقيق الاستقرار المالي من خلال تأسيس وتطوير والإشراف على بنية تحتية مالية ومصرفية قوية ومتوافقة مع أحدث الممارسات الدولية، بما تتضمنه من أنظمة مصرفية ورقابية حديثة وبما يحقق التطور وزيادة الموثوقية في الخدمات المقدمة من المؤسسات المالية والمصرفية. أظهر التقرير التطورات الإيجابية الحاصلة في الدول العربية على صعيد الأطر التشريعية والتنظيمية للرقابة على القطاع المالي والمصرفي، وصلاحية واستقلالية السلطات الرقابية والتنسيق فيما بينها، ونظم المدفوعات والتسوية ونظم معلومات الائتمان، والسياسات الاحترازية الكلية والجزئية، والشفافية والمساءلة والإفصاح، والاستقرار المالي والمخاطر النظامية. فيما يخص الفصل السادس فقد قدم تحليلاً لنتائج إختبارات الضغط لدى القطاع المصرفي العربي، حيث تُعتبر هذه الإختبارات من التقنيات المهمة لقياس قدرة النظام المصرفي العربي لأي دولة على تحمل الصدمات، واكتشاف الإختلالات ونقاط الضعف. بيّن التقرير في ضوء نتائج هذه الإختبارات،أن القطاع المصرفي العربي متين، حيث حقق نتائج إيجابية في معظم الإختبارات لدى معظم الدول العربية. أما الفصل السابع،فقد قدم تحليلاً لمديونية القطاع العائلي في الدول العربية. أظهر تحليل مؤشرات الائتمان الخاص والعائلي إلى الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، انخفاض معدلات الائتمان العائلي إلى الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول العربية، مع انخفاض نسبة القروض العقارية، التي كانت من أهم أسباب الأزمة المالية العالمية.ساهم في هذا الإنخفاضاستخدام البنوك المركزية العربية للعديد من الأدوات الاحترازية، وهو ما يقلل من احتمالية حدوث مخاطر مستقبلية تهدد الاستقرار المالي.كما أظهر التحليل ارتفاع نصيب فجوة القطاع العائلي من فجوة الائتمان الخاص بالنسبة لبعض الدول، متوافقاً مع نصيب القطاع العائلي المرتفع من الائتمان الخاص، وهو ما قد يدعو هذه الدول إلى متابعة الائتمان الممنوح للقطاع العائلي، بصورة أكثر حذراً وتشديد الأدوات الاحترازية للحد من النمو المفرط في الائتمان العائلي في حال حدوثه.كذلك أظهر الفصل أهمية إعطاء مزيد من الاهتمام لتحديد طول الدورة المالية وخصائصها، وهو ما يترتب عليه اختيار قيمة معامل الانسياب وكذلك حجم فجوة الائتمان، والذي من الممكن أن يؤدي إلى قيام بعض البنوك المركزية بتطبيق الشريحة الإضافية لرأس المال وفقاً لمتطلبات بازل III. إستعرض الفصل الثامن تداعياتالتقنياتالماليةالحديثةوالعملات الرقمية للبنوك المركزية علىالاستقرار المالي في الدول العربية، حيث خلص الفصل إلى أن التقنيات المالية الحديثة والعملات الرقمية لا تشكل في الوقت الحالي مخاطر تُذكر على الاستقرار المالي في الدول العربية، إلا أن التطورات المتسارعة والمتزايدة في هذا المجال تستدعي قيام السلطات الرسمية المعنية بمواصلة إجراء الدراسات والأبحاث حولها والتنبيه لأي مخاطر قد تنشأ عن استخدامها. أخيراً، بيّن الفصل التاسع والأخير، تجارب الدول العربية في تطوير مؤشرات الاستقرار المالي والتي تُعتبر بمثابة نظام إنذار مبكر يقلل من احتمالية حدوث الأزمات، فضلاً عن تخفيض تكاليف معالجة آثارها، لذا فإن هنالك اهتمام متزايد من قبل المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية بموضوع تطوير وإعداد مؤشر للإستقرار المالي، إدراكاً منها بأهمية تقييم المخاطر النظامية أولاً بأول، وبالتالي تقييم حالة النظام المالي بشكل عام، حيث قامت العديد من المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية بتطوير وإعداد مؤشر للإستقرار المالي.بيّنت قيم مؤشرات الاستقرار المالي في الدول العربية، عدم وجود أي مخاطر نظامية في الوقت الحالي تؤثرعلى الاستقرار المالي. بمناسبة إصدار التقرير الثاني،أعرب معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العامرئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي عن سروره بإنجاز الإصدار الثاني من تقرير الاستقرار المالي العربي، الذي يتضمن مواضيع وقضايا تهم السلطات الإشرافية العربية لتعزيز الاستقرار المالي والحد من تراكم المخاطر النظامية في القطاع المالي بشكل عام والمصرفي بشكل خاص، بما يعزز من دور القطاع المالي في تحقيق التنمية المستدامة.نوّه معاليه إلى أن إصدار هذا التقرير جاء بالتعاون مع فريق عمل الاستقرار المالي في الدول العربية المنبثق عن مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، مؤكداً على أهمية إستمرار تواصل الجهود لتطوير التقرير في الإصدارات المقبلة ليُواكب المستجدات والتطورات المتعلقة بقضايا الاستقرار المالي، ليقدم صورة واضحة عن وضعية الاستقرار المالي في الدول العربية، والمحددات والتحديات التي تواجهها في سياق جهود السلطات الإشرافية لتحقيق الاستقرار المالي،ليساهم في دعم اتخاذ القرارات الاحترازية التي تسهم في سلامة ومنعة القطاع المالي والمصرفي العربي.