ارتبطت اللحية بالنظام البطريركي في القرن التاسع عشر، وباليساريين في سبعينات القرن الماضي، وهي اليوم رمز للتطرف وللاسلاميين الأصوليين. لقد تغيرت دلالات إعفاء اللحية بمرور الزمن وأصبح لهذا السلوك رموز سياسية واجتماعية. ويقول استاذ علم الإثنيات كريستيان برومبرغ إن اطلاق اللحية هو اقوى علامة للتمايز، وظهور الفرد بلحيته له دور مهم في تأكيد الهوية بالسلب أو الايجاب، وأما الباحث في علم الاجتماع في جامعة رين 2 ستيفان هياس فيقول «ان حلق اللحية او تخفيفها أو اطلاقها ليس أمرا تافها، فهذا المظهر الخارجي يدخل مباشرة في الحكم الذي يطلقه الآخرون على أي منا». غالبا ما كان للحية مفهوم سياسي، والفراعنة كانوا يضعون لحى مستعارة ليس لابراز حكمتهم ووقارهم، ولكن لانها كانت تشكل بالنسبة لهم رمزا مقدسا. ويعتبر كريستيان برومبرغ: «ان اللحية كانت تمثل رمز السلطة بالنسبة للفراعنة». وأما في ظل الجمهورية الثالثة في فرنسا، فقد اطلق غالبية رجال السياسة لحاهم كجون جوريس وبول دومر أو أميل لوبيه، وفي هذا الشأن يقول ستيفان هياس «الطابع الذكوري المسيطر والنظام البطريركي الذي ميز المجتمعات الغربية في القرنين التاسع عشر والعشرين يفسران دون شك لماذا افتتن الناس باللحية، لقد فرض الرجل السياسي نفسه بفعله وبلحيته». ويمكن ان يكون للحية مفهوم اجتماعي وفق ماري هيلين ديلوفو رو مؤلفة كتاب «معنى الشعر» الصادر في عام 2011: «حين نرى لحية شعثاء وكان صاحبها يرتدي ملابس متسخة وممزقة فهذا يؤكد لنا أن الامر يتعلق بفقير او متشرد، وهذا الشعور يختلف تماما حين نرى لحية تم تخفيفها بعناية، فحين يكون شكل اللحية جميلا ومألوفا غير مثير، لا يتم التعامل مع صاحبها كفرد مهمل لنظافته». ويقول الباحث في علم الاجتماع ستيفان هياس: «إن كل سلوك يتعلق باللحية مرتبط بفترة زمنية محددة». تحكم المعايير الاجتماعية حلق اللحية من عدمه، ففي غمضة عين يمكن ان نميز في صورة فوتوغرافية بين الرجل السياسي في الجمهورية الفرنسية الثالثة والملتحي الاشتراكي في ثمانينات القرن الماضي، وهذه المعايير تتطور يوما بعد يوم. لكن اللحية اختفت تماما غداة الحرب العالمية الأولى، غير انها ظهرت مجددا عند الهيبيين، وهم شباب مناهضون للقيم الرأسمالية شكلوا حركة سرعان ما انتشرت عالميا في عام 1960، واليوم يفضل غالبية الرجال حلق لحاهم بالكامل. وفي مثل هذا الجو المتوتر الذي يعيشه العالم بسبب الارهاب، باتت اللحية رديفا للاسلام الأصولي. ويقول مغني الراب الفرنسي ميدين: «لقد اصبحت وسائل الاعلام تتحدث عن اللحية وكأنها عشبة ضارة تنتشر بسرعة النار في الهشيم». وتستخدم وسائل الاعلام الغربية باستمرار في أيامنا صور ملتحين، الى جانب مقالاتها وتحقيقاتها عن الاسلام أو الاسلام السياسي او العالم العربي، حتى بات القارئ قادرا على تصور مضمون النص وسياقه حتى قبل قراءته، لأن اللحية باتت ابلغ من اي خبر.