اتخذت الحكومة قرارا سليما بحل المجالس العليا "التنسيقية" التي كانت مع الوقت أقرب ما تكون لجانا عليا تنطبق عليها مقولة إنجليزية لا تخلو من المكر: إذا أردت ألا تقرر فعليك بتشكيل لجنة. هذه الخطوة الشجاعة جاءت بغرض تسهيل القرار الاقتصادي التخطيطي تحت مظلة مجلس التنمية والاقتصاد. ولكن الذي لم يتغير العلاقة بين وزارتي الاقتصاد والمالية. هذه العلاقة مهمة دائما في كل اقتصاد ولكنها لدينا مفصلية بسبب أن القرار المالي يطغى على القرار الاقتصادي. مدارات القرارات الاقتصادية الحقيقية واسعة وشاملة وعميقة لأن القرار الاقتصادي الحقيقي هو ذلك الذي يستطيع تغيير تصرفات الفعاليات من أفراد إلى شركات حتى الهيئات الحكومية. وزارة الاقتصاد والتخطيط كوزارتي العمل والتعليم بالأهمية إلى حد أن قراراتها "الحقيقية" تصل إلى تغيير تصرفات الفعاليات الاقتصادية وبالتالي تتعدى سلطة الوزارات الخدمية. الدور الحقيقي للوزارة يتطلب عكس النموذج السائد اليوم الذي يتمثل بدور مركزي للممثل المالي ودوره المباشر في تحديد الأولويات الاقتصادية. تغيير النموذج يتطلب تغييرا نوعيا لسنا مستعدين له اليوم لأسباب موضوعية. سياسات الدعم، والرسوم على الأراضي، والاستقدام، والعلاقة بين التعليم والاقتصاد، ليست في محيط وزارة الاقتصاد دون أن يكون حصان التخطيط أمام عربة المال، بينما لدينا العكس. العمل والتعليم يتعلقان بنواح عملية أكثر، ولكن الاقتصاد والتخطيط أقرب إلى النواحي الفكرية. تفكيك نماذج أنماط هذه العلاقات ومراجعة أداء كل منها على حدة وتحديد دورها، يتطلب معلومات دقيقة وقدرات تحليلية ليست متوفرة منهجيا في سلم القرار الاقتصادي التخطيطي في الوقت الراهن. في ظل صعوبة إعادة تأطير دور الوزارة جذريا ودور الوزارة تاريخيا لابد من فكر جديد على الأقل كخطوة أولية جادة حتى نصل إلى مدار أعلى. اليوم نعاني نقصا معلوماتيا تحليليا، فمثلا لا توجد معلومات موثقة دورية عن الإنتاجية أو دور الدعم بين الفئات المختلفة والدخل أو حتى تصور علمي مناسب عن الرسوم على الأراضي أو العلاقة بين استهلاك الطاقة وأسعارها الحقيقية من ناحية والثروة النفطية من ناحية أخرى، وأخيرا مستوى المنافسة في كل قطاع. دون مرجعية تحليلية يصعب اتخاذ قرارات اقتصادية يعتد بها. في ظل هذه البيئة أعتقد أن أفضل دور للوزارة أن تقوم بدور الهيئة المعلوماتية والتحليلية كمركز فكري للاقتصاد والتخطيط. هذه ناحية لا تخدم بما تستحق في ظل تعقيدات المرحلة ونهاية مرحلة كان التأسيس والإشباع الخدمي هما الأولويات. لما نحصل على المعلومة الدقيقة ونضعها في حجمها الصحيح ودورها المناسب نستطيع تكوين الخطوات الأولى للتخطيط الاقتصادي. قرارات التخطيط الاقتصادي تتطلب معلومات كثيرة تفصيلية على درجة من الدقة وفهم لأنماط العلاقات الأولية والثانوية، دون ذلك تصبح عملية التخطيط مكلفة وقد تكون ضارة أحيانا. علاقة الوزارة المباشرة مع مصلحة المعلومات والإحصاءات خطوة أولية ولكنها لا تكفي، مرحليا لا بد أن تكون المعلومة وتحليلها صلب عمل الوزارة حتى نكون مستعدين لمراحل أخرى. نقلا عن الاقتصادية