كان التعليم ولم يزل أهم عنصر في تطور المجتمعات، وأحد أقوى العوامل في تغيير الأدوار الاجتماعية للمرأة، وفي دول الخليج العربي كان تعليم الفتيات قرارا سياسيا جرى اتخاذه على الرغم من الممانعات والرفض الاجتماعي، فالتقاليد والأعراف الخليجية المحافظة وقتها، رفضت التعليم لسبب واحد تقريبا، هو أن التعليم سيفرض خروج الفتاة من المنزل، أي أن دورها الاجتماعي سيصبح خارج البيت، هي لن تصبح أما ومربية أجيال فقط، بل ستصبح طبيبة ومعلمة ومهندسة وإعلامية و«كابتن طيار» وعالمة، والكثير من المجالات التي سيصبح للمرأة مكانة فيها، لكننا اليوم وبعد عشرات السنين من تعليم المرأة، لم تصل النساء إلى كل مجالات العمل هذه، القلة أصبحن طبيبات، والغالبية العظمى أصبحن معلمات، وظلت المجالات الأخرى فارغة من حضور النساء، لا تشكل فيها المرأة نسبة لا تكاد تذكر، فلماذا نجحت المرأة الخليجية في التعليم، ولماذا لم تصل إلى مجالات العمل الأخرى؟! القوة المعارضة التي رفضت تعليم المرأة، هي نفسها التي حصرت عملها في التعليم بعد سنين طويلة، لقد كانت الثقافة الاجتماعية التي ترى في المرأة أُمّا ومربية أجيال فقط، هي نفسها الثقافة التي تسمح لها اليوم بأن تكون معلمة، ذلك لأن المعلمة هي مربية أجيال أيضا، وهي صورة مطابقة لصورة الأم، والمدرسة هي بيت أيضا؛ هي حرم خاص يضمن عدم وجود الرجال ولا الاختلاط بهم، لقد قبلت الثقافة بأن تخرج المرأة من حرم إلى آخر، فجرى تحويل المدرسة إلى بيت معزول عن الفضاء العام، وجرى ترسيخ الصورة الاجتماعية عن أن المرأة لا تصلح إلا مربية للأجيال فقط، أي أن تربية النشء ليست هي وظيفة النساء الأولى فقط، بل هي وظيفتهن الوحيدة، فقدرات النساء لا تتفاوت من امرأة لأخرى، بل هي قدرة واحدة ووحيدة، هي التربية والتعامل مع الأطفال فقط، فبينما يختلف الرجال؛ فمنهم الطبيب ومنهم المهندس ومنهم القاضي ومنهم الوزير، لا تختلف النساء عن بعضهن، فالمرأة لا تحكمها قدراتها العقلية ولا تحصيلها العلمي، بل يحكمها «جندرها» فقط، هي امرأة فقط، بينما الرجال يتفاوتون بتفاوت قدراتهم العقلية وتحصيلهم العلمي وخبراتهم العملية. إن المسألة برمتها تبدو مسألة تمييز ضد المرأة، قبل التعليم وبعده. لقد نجحت هذه الثقافة القديمة في فرض رؤيتها على المشروع الحداثي في تعليم الفتيات، لقد استمرت التصورات الاجتماعية ذاتها عن المرأة بكونها أمّا ومربية فقط، لأن المؤسسة التعليمية وقعت تحت إدارة هذه الثقافة، فأصبحت الفتاة تتعلم لتصبح أُمّا فقط، أمّا داخل المدرسة كمعلمة أو أما في المنزل، بينما الفتى عندما يتعلم، يفكر في كل مجالات العمل من دون أن يكون لدوره الاجتماعي بصفته أبا عائق في ذلك. إن الثقافة التي تميز ضد المرأة استطاعت أن تحاصرها بدورها الاجتماعي القديم كأم، والنساء اللاتي يفضلن العمل كمعلمات يعلمن أن أمانهن الأنثوي يكمن في هذا المجال، فهن يبقين في ظل التصورات الاجتماعية نساء صالحات لا يخالطن الرجال، هن مربيات أجيال لا يتعاملن إلا مع الأطفال، ولهذا نزعت معظم الأجيال الأولى من النساء المتعلمات إلى مجال التعليم، تحت شروط المجتمع الذي لا يقبل لهن بالخروج عن المؤسسة التعليمية التي تمثل صورة البيت، المسألة ظلت محكومة بوجوب بقاء المرأة في فضاء خاص، يأمن فيه أولياء أمرها شؤونها. خروجها من البيت لم يعد مخيفا ولا ممنوعا أو مرفوضا، لأنه أصبح خروجا منظما في دائرة واحدة؛ إلى المدرسة حيث تتعلم كطالبة، ثم إلى المدرسة مرة أخرى حيث تتولى مهمة تعليم الباقيات. ليس هناك شك في أن وزارات التعليم في دول الخليج أمامها تحدٍّ صعب في قيادة المجتمع نحو آلية جديدة، تسمح وتساعد في تمكين المرأة من بلوغ مجالات عمل أوسع من التعليم المدرسي. للتعليم أن يفرض التغيير الثقافي لا أن يستسلم له، ودور المرأة الاجتماعي هو أحد أهم هذه التحديات، كيف يمكن أن تُكسر هذه الدائرة التي تبتلع المرأة بأفضل المسميات، الأم ليست مدرسة، والمرأة ليست أما في كل الأحوال، هي مواطنة لها من الحقوق العملية والسياسية ما لا يمت لوظيفتها الأمومية بصلة. المرأة إنسانة يجب ألا يُحصر دورها في وظيفتها البيولوجية، وما حدث عبر السنين هو استسلام لهذا الدور، استسلام اجتماعي وسياسي على حد سواء، وما يمكن أن يحدث اليوم هو إعادة زمام المبادرة إلى قرار حازم، في فرض تعليم لا يحكم المرأة بقناعات وتقاليد الماضي، بل يفتح لها مجال المعرفة والعلم والعمل الواسع الذي لا يجري حجزه في فضاء خاص معزول عن كل العوالم الاجتماعية الأخرى. * كاتبة سعودية نقلا عن الشرق الاوسط