في هذا العصر عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حلَّت بمجتمعنا تغيرات هائلة بسبب التطور الذي حدث في عصرنا الحاضر في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذي له آثار جمَّة على ثقافة وأخلاقيات مجتمعنا المسلم، سواء بالإيجاب أو بالسلب، فلا يستطيع أحدٌ أن يُغفِل الإمكانات الرائعة التي تقدِّمها لنا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخاصةً بعد اتحاد الحواسب الآلية والاتصالات، واندماجهما في خدمة (الإنترنت)- وغيرها من وسائل الاتصالات، وأيضًا لا نستطيع أن نتجاهل الآثار السلبية التي ترتَّبت على هذا الانفتاح المعلوماتي والإمكانات التكنولوجية، خاصةً أنَّ مَنْ يمتلكون ويحتكرون هذه الإمكانات يختلفون معنا عقائديًّا وفكريًّا، فما يُعَدُّ عندهم مباحًا وعاديًّا - نجد له ضوابط أخرى في ديننا الحنيف، وكذلك ثقافة المتلقِّي، وعدم توفر الوعي الكافي للقيام بالانتقائية المعلوماتية؛ لأخذ ما ينفع وترك ما يضر. ومن هنا؛ فقد سبَّب ذلك كله آثارًا في المجتمع الإسلامي بكل مستوياته، سواءٌ على مستوى الفرد أو الأسرة. إنَّ المتغيرات الحاصلة في الوقت الراهن على الصعيد العالمي بسبب تعاظم قوة وسرعة ومكانة الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والاتصالية، وما قد نتج عنها من آثار ومؤثرات عديدة على بِنْيَة وعمق سلوك الإنسان في أي مكان كان في ظل الانكماش المكاني. إن هذه المتغيرات تدعونا إلى النظر والتمعُّن في مسألة هامة وحيوية؛ هي مسألة الثقافة المتدفِّقة عبر وسائل الاتصال الحديثة، الثقافة باعتبارها النتاج البشري المتنامي و(الديناميكي) والمتغير باستمرار. وتبدو أهمية دراسة هذه الثقافة الوافدة التي أثَّرت سواء بالسَّلب أو بالإيجاب على أخلاقيات وثقافة مجتمعنا المسلم. (الإنترنت) تواصلٌ معرفيُّ: وينبغي أن نتذكَّر دائمًا أن (الإنترنت) هي وسيلة للاتصال، إذ يُمكنك عن طريقها إرسال الرسائل، ومحاورة الآخَرين، وعرض أفكارك وآرائك، والاطلاع على أفكار الآخرين وآرائهم، فهي وسيلة للتفاعل والتعامل بين الأشخاص والمؤسسات والهيئات المختلفة. لابد أن نحاول فَهْم أبعاد وتأثيرات هذه الأداة التي أصبحت متاحةً جدًّا أمامنا، وأصبح الكثيرون يستخدمونها، وأصبحت هي الملاذ الوحيد للبعض. ثقافة عصر (الإنترنت): لقد صار لزامًا علينا أن نتعلَّم "ثقافة عصر (الإنترنت)" بالمعنى الواسع للمعرفة؛ إذ إن (الإنترنت) ستظل عنصرًا مغريًا وجذَّابًا، وإنها تلتهم وقتًا هائلاً دون عائد يوازي هذا الوقت الذي ينفقه الإنسان فيها ما لم يكن محدد الهدف، ومؤقَّت المدى. إن غياب المعرفة أوِ الثَّقافة الواسعة يجعل من (الدردشة) التي تجري في معظم الغرف الإلكترونية العربية عبارة عن لغو فارغ أو معاكسات، أو شتائم متبادلة، ولا يكون تبادل الحديث نافعًا إلا إذا كانت لدى أطرافه من المعرفة أقدار كافية؛ بحيث يكون النقاش مفيدًا. وأعتقد أنَّ بيْنَنا وبيْنَ هذا شوطًا كبيرًا؛ لأنَّ أغلبنا لم يتزوَّد بالثقافة أو المعرفة؛ فليست تلك الأمور متاحةً في مناهِج التعليم النظامي، وليستْ هِي المادَّة المتوافرة في أغلب برامج الإعلام، ولم تعد القراءة في عصرنا الحاضر - للأسف الشديد - مصدرًا معتبرًا لدى كثير من شبابنا في الحصول على المعلومات وتداول الأفكار. ثقافة الأسرة.. تجديدٌ وتنشيط: لابدَّ من إعادة النظر في الاهتمام بعناصر الأسرة المسلمة (الأب - الأم) ومدى حاجتنا إليهما في هذا العصر؛ فالأسرة أوَّلاً هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية، وهي التي تغرس لدى الطفل المعاييرَ التي يحكُمُ من خلالها على ما يتلقَّاه فيما بعد من سائر المؤسسات في المجتمع، فهو حينما يغدو إلى المدرسة ينْظُر إلى أُستاذِه نظرةً من خلال ما تلقَّاه في البيت من تربية، وهو يختار زُملاءه في المدرسة من خلال ما نشأته عليه أسرته، ويقيِّم ما يسمع وما يرى من مواقفَ تقابله في الحياة، من خلال ما غرسته لديه الأسرة، وهنا يكمن دور الأسرة وأهميتها وخطرها في الميدان التربوي. دور الأب للأب دورٌ مهمٌّ جدًّا في رعاية أولاده؛ لأنَّ كلَّ وليِّ أمرٍ مسؤولٌ أمام الله - عزَّ وجلَّ - يوم القيامة عن رعيته، وفي ذلك يقول ربُّنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، ويقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث المتَّفق عليه: ((كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته، فالرجل راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيَّتها)) الحديث. وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أيضًا في الحديث المتَّفق عليه: ((ما من عبد يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته إلاَّ حرَّم الله عليه الجنة)). والنصوص والآيات كثيرةٌ في هذا المقام؛ فمن هنا يتوجَّب على الأب أن يهتمَّ بالرعاية الثقافية والأخلاقية لأولاده، وخاصةً في عصر التحدِّي المعلوماتي. دور الأم: إنَّ مرحلة الطفولة المبكِّرة مهمة لتنشئة الطفل، ودور الأم فيها أكبر من غيرها، فهي في مرحلة الرضاعة أكثر مَنْ يتعامل مع الطفل، ولحكمة عظيمة يريدها الله - سبحانه وتعالى - يكون طعام الرضيع في هذه المرحلة من ثدي أمه، وليس الأمر فقط تأثيرًا طبيًّا أو صحيًّا، وإنما لها آثار نفسية؛ أهمها إشعار الطفل بالحنان والقرب الذي يحتاج إليه، ولهذا يوصي الأطباء الأمَّ أن تحرص على إرضاع الطفل، وأن تحرص على أن تعتني به وتقترب منه لو لم ترضعه. لا لثقافة الخادمات والمربِّيات: لابدَّ أن ندرك فداحة الخطر الذي ترتكبه كثيرٌ من النساء حين تترك طفلها في هذه المرحلة للمربِّية والخادمة؛ فهي التي تقوم بتنظيفه وتهيئة اللباس له وإعداد طعامه، وحين يستعمل الرضاعة الصناعية؛ فهي التي تهيّئُها له، وهذا يُفقِد الطفل قدرًا من الرعاية النفسية هو بأمسِّ الحاجة إليه. وإذا ابتُليت الأسرة بالخادمة - والأصل الاستغناء عنها - فينبغي أن تحرص في المراحل الأولية على أن تباشر هي رعاية الطفل، وتترك للخادمة إعداد الطعام في المنزل أو تنظيفه أو غير ذلك من الأعمال، فلن يجد الطفل الحنان والرعاية من الخادمة كما يجدها من الأم، وهذا له دورٌ كبيرٌ في نفسية الطفل واتجاهاتِه في المستقبل، وبخاصة أنَّ كثيرًا من الخادمات والمربِّيات في العالم الإسلامي لسْنَ من المسلمات، وحتى المسلمات غالبهنَّ من غير المتديِّنات؛ بل وغير مثقفات إطلاقًا، وهذا لا يخفَى أثره. فالمقصود: أنَّ الأُمَّ في هذه المرحلة تتعامَلُ مع الطفل أكثر مما يتعامل معه الأب، وفي هذه المرحلة سوف يكتسب العديد من العادات والمعايير، ويكتسب الخُلُق والسلوك الذي يصعب تغييره في المستقبل، وهنا تكمن خطورة دور الأم؛ فهي البوابة على هذه المرحلة الخطرة من حياة الطفل فيما بعد، حتى إِنَّ بعض الناس يكون مستقيمًا صالِحًا متديِّنًا، لكنه لم ينشأ من الصغر على المعايير المُنضبطة في السلوك والأخلاق، فتجد منه نوعًا من سوء الخلق وعدم الانضباط السلوكي، والسبب أنه لم يتربَّ على ذلك من صغره؛ ومن هنا فعلى الأم أن تُطَوّر نَفْسَهَا معلوماتيًّا، وتثقِّف نفسها جيدًا من أجل تربية نشءٍ يستطيع مواكبة ومواجهة تحديات عصر المعلومات. الأكثر من هذا: أن بعض الباحثين الغربيين قد ذهب إلى أن الأم عليها أن تجلس في بيتها - بعد أن تحصِّل هذا الكمّ من المعلومات والثقافة - وذلك من أجل إعداد طفلها ثقافيًّا لمواكبة تحديات عصر المعلومات. المنظومة التعليمية: لابد من تطوير عناصر المنظومة التعليمية كي تواكب العصر الذي نعيش فيه، وتدرك أبعاد التحدي الثقافي الذي يواجهنا، كي نستطيع أن نتقبَّل تلك الثقافة الوافدة تقبُّلاً إيجابيًّا لا سلبيًّا؛ فنأخذ ما يفيدنا ونترك ما لا يفيد، وتتوفر عندنا مَلَكَة الانتقاء الثقافي والنقد البنَّاء. المتعلِّم: لقد صار المتعلِّم في ظل تعليم الأعداد الغفيرة مجرَّد ظاهرة إحصائية، فليس هناك من الوسائل والوقت لرعاية مواهبه وتنمية قدراته الشخصية، ولا أمل في أن تغيِّر التربية العربية فلسفتها الراسخة بين يوم وليلة، وسيمضي وقتٌ طويل قبل أن تنبت الثقافة العميقة والمتَّسعة في تربتنا التربوية المتصحِّرة؛ لذا فإن التوجُّه على محوريَّة المتعلِّم، لابد أن تتوزَّع مسؤولية تنفيذه بين المنزل والمدرسة والتلميذ نفسه، وعلى علماء علم النفس التربوي لدينا أن يدلوا بدلوهم في حلِّ هذه المعضِلة، من حيث تنميةُ نزعة الاعتماد على الذات، وتخليص عقول تلاميذنا مما خلفته آفة التلقِّي السلبي. المعلِّم: معظم معلِّمينا ما زالوا عازفين عن المشاركة الإيجابية في توجيه مسار العملية التربوية، ونادرًا ما يدعون إلى المشاركة في القرارات الخاصة بالتعليم، وموقف معلِّمينا من استخدام تكنولوجيا المعلومات في مجال التعليم ما زال مشوبًا بالغموض، البعض يرى فيها منافسًا خطيرًا، والبعض الآخَر غير موقِن بفاعليتها، إما بسبب الثقافة التربوية السائدة، وإما لنقص التدريب، وإما لعدم توافر المعدَّات والبرامج. وقد أصبح تعلُّم الكمبيوتر في معظم مدارسنا مقصورًا على القائمين بتدريس مادته. لقد ترسَّخت لدى معظم المعلمين العرب عادة التدريس بالتَّلقين، وعدم توسيع مصادر المادة التعليمية، ويحتاج علاج ذلك إلى تضافُر جهود التأهيل، وتصميم المناهج وأساليب التقويم والامتحانات. ولا يمكن للمعلِّم العربي أن يُتقِن مهمة التعليم باستخدام تكنولوجيا المعلومات إلا إذا أُدمجتْ هذه التكنولوجيا في جميع المناهج في كليات التربية من السنة الأولى، إنَّ المعلم العربي يجب أن يتعلَّم هو نفسه استخدام تكنولوجيا المعلومات، قبل أن نطالبه بالتدريس مستخدمًا إياها. تطوير منهجيات وخطط التعليم: من المتعذّر استيراد منهجيَّات التعليم لشدَّة ارتباطها، سواء بالبيئة التعليمية أو بقدرات المعلم القائم بتطبيقها؛ لذا فنحن في أمسِّ الحاجة إلى دفع البحوث التربوية لتناول أثر تكنولوجيا التعليم و(الإنترنت) على منهجيات التعليم، وكيفية تطويعها للثقافة السائدة، وللبيئة التربوية المتوافرة، ولقدرات المعلِّم وقدرات مَنْ نقوم بتعليمهم، ومن الخطورة بمكان تطبيق المنهجيات الجديدة - ومعظمها مستحدَث - دون تجريب واختيار دقيق، ومرة أخرى، يمكن لتكنولوجيا المعلومات أن تَلْعَبَ دَوْرًا في هذا المضمار؛ حيث نوفِّر بيئة اختيار فعَّالة لتجريب المناهج الجديدة، مع سرعة الحصول على النتائج. تطوير دور الإعلام : يعيش إعلامنا العربي والإسلامي صدمة إعلامية على مختلف المستويات السياسية والتنظيمية والفنية، فليس بالأقمار الصناعية والقنوات الفضائية وأحدث المطابع الصحافية وحدها يحيا الاتصال في عصر المعلومات. إنَّ إعلامنا العربي والإسلامي يواجه عصر التكتُّلات الإعلامية مشتَّتًا عازفًا عن المشاركة في الموارد، يعاني من ضمور الإنتاج وشح الإبداع، حتى كاد - وهو المرسِل بطبيعته - أن يصبح هو نفسه مستقبِلاً للإعلام المستورد ليعيد بثه إلى جماهيره، ولقد أوشكت وكالات الأنباء لدينا - نحن العرب والمسلمين - أن تصبح وكالات تابعة للوكالات الأربع الكبرى في العالم (رويتر- وكالة الأنباء الفرنسية - آسيشتد برس - يونايتد برس)، حتى فيما يخصُّ أخبارنا المحلية للأسف الشديد . لقد ارتضينا أن نوكل إلى غيرنا نقلَ صورة العالم من حولنا، بل صُنْعَ صورتنا عن ذاتنا أيضًا.