هذهِ الثلاثيةُ في نظري تمثِّلُ مُخْتصرَ رحلةِ الجامعاتِ السعوديةِ منذُ نشأتْ إلى يَوْمِنا هذا. لقد بدأتِ الجامعاتُ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ في بِيْئةٍ حديثةِ عهدٍ بالتعليمِ النظاميِّ، تفتقِرُ أطرافُها ونُجُوعُها وبوادِيها إلى مَحَاضِنِ العلمِ ، وينابيعِ الثقافةِ ، فكانَ دَوْرُ الجامعاتِ الرياديُّ يومها يقتضي منها أنْ (تلقِّنَ) الأجيالَ أنواعَ المعارفِ والعلومِ حتّى تنتشلَ الوطنَ من بيئةِ الجهلِ إلى بيئةِ العلمِ ، وترتقيَ بِهِ مِنْ ظُلمةِ الأمِّيَّةِ إلى نورِ المعرفةِ. وحينَ أصبحَ العلمُ نهراً جارياً في كُلِّ مدينةٍ وبلدةٍ وقريةٍ وهِجْرةٍ، خَطَتِ الجامعاتُ خُطْوتَها الثانيةَ من التلقين إلى التكوينِ، فطوَّرتْ مناهجَها وبرامجَها لتكونَ (مصانعَ) لشبابِ الوطنِ وشاباتِهِ، تُكَرِّسُ فيهم معنى الواجبِ الوطنيِّ، وتَمْنحُهم من المهاراتِ والقُدُراتِ ما تتكوَّنُ به شخصيَّتُهم على أحسنِ وجهٍ. وحينَ امتلأَ الوطنُ بهذهِ الكفاءاتِ الشابةِ القادرةِ على العطاءِ، المتسلِّحةِ بأسبابِ النجاحِ، خَطَتِ الجامعاتُ خُطْوَتَها الثالثةَ من التكوينِ إلى التمكينِ، فسعَتْ إلى تذليلِ الصعابِ أمامَ هذهِ الطاقاتِ الوطنيَّةِ، لتمكِّنَ لها في أرضِ الوطنِ، وتتيحَ لها فرصةَ البناءِ الحقيقيِّ، بناءِ الذاتِ وبناءِ المجتمعِ معاً. لم يَعُدْ دورُ الجامعاتِ اليومَ مُقْتَصِراً على التلقينِ .. وإنْ كانَ التلقينُ جزءاً من التعليم لا غنى عنه. ولم يعدْ دورُها مُقْتَصراً على (التكوينِ) .. وإنْ كانتْ ماتزالُ تكوِّنُ أجيالَ المستقبلِ. ولكنّها أضافتْ إلى هذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ ركناً ثالثاً هو (التمكينُ)، وأضافتْ بذلكَ إلى أدوارِها دَوْراً جديداً، وإلى أعبائِها عِبْئاً تَعْلمُ أنَّهُ ثقيلٌ، ولكنَّهُ واجبُ المرحلةِ، وفريضةُ الوقتِ. إنَّ مشروعَ (ريادةِ الأعمالِ) في الجامعات السعودية بكلِّ ماتفرَّعَ عنه من مؤسساتٍ وإداراتٍ وبرامجَ ، يمثِّلُ القلبَ النابضَ لهذه الرؤيةِ التمكينيّةِ التي استشرفتْ لها الجامعات السعودية ، وخطتْ إليها بقدمٍ واثقةٍ، وقلبٍ عازمٍ، واستطاعتْ - رغمَ قِصَرِ المدةِ-أن تُحَقِّقَ نتائجَ مُبْهِرةً نتَنَسَّمُ اليومَ شيئاً من عبيرِها، ونستبشِرُ ببعضٍ من أَلَقِها . ويهدِفُ هذا المشروع إلى دعم ذوي الأفكارِ الرائدةِ ، والمشاريعِ الجادَّةِ المبتكرةِ ، ويمتازُ بأنَّهُ برنامجٌ عمليٌّ يهتمُّ بتخريجِ جيلٍ من المفكِّرينَ يصنعونَ المعرفة وسيؤدِّي دوراً فعالاً في تحويلِ أفكارِ الشبابِ إلى مُنْتجاتٍ ناجحةٍ تَخْرُجُ إلى السوقِ في صورةِ شركاتٍ ناشئةٍ يَدْعمُها ويُؤسِّسُها ، وذلك تحقيقاً لرؤيةِ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ في التحوُّلِ إلى اقتصادِ المعرفةِ. ولقد أثبتَ هذا البرنامج وما ناظرَهُ وشابهه أنَّ في شبابِنا كنوزاً ثمينةً تحتاجُ إلى من يَكْشِفُ عنها، ويَصْبِرُ عليها، ويُمَهِّدُ السبيلَ أمامَها. مدير جامعة أم القرى نقلا عن المدينة