تقرير المعرفة العربي لعام 2010 2011 والصادر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الانمائي تحت عنوان «إعداد الأجيال الناشئة لمجتمع المعرفة» هو تقرير قيم ومفصل وممتع، يقع في 584 صفحة ويشتمل على جزءين: الأول تقرير عام عن إعداد النشء في المنطقة العربية وفق ثلاثية «المهارات» و «القيم» و «البيئات التمكينية» السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. أما الجزء الثاني فيتضمن دراسة ميدانية موسعة لأربع دول عربية هي الأردن والمغرب والإمارات واليمن، حيث اشتملت الدراسات على تقييم شامل ومعمق لهذه الدول ضمن بيئاتها التمكينية في ضوء متطلبات مجتمع المعرفة. كما يتضمن التقرير عرضا لنماذج سلكتها دول مثل ماليزيا وتركيا والهند للدخول إلى مجتمع المعرفة. ويشير التقرير إلى عجز البيئات التمكينية العربية عن توفير الشروط اللازمة لإعداد الأجيال الجديدة بالخصائص المعرفية التي يتطلبها تمكين النشء للولوج إلى مجتمع المعرفة. لنعرف أولا ما المقصود بمجتمع المعرفة؟ يقدم التقرير تعريفا لمفهوم مجتمع المعرفة على أنه «مجتمع كلي شامل ينطوي على نقلة نوعية لنموذج المعرفة والثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع ويرتبط بثقافة كوكبية (عولمية) في حقوق الإنسان والمواطنة ونظم إدارة الحكم». مجتمع المعرفة إذن ليس مجتمعا محدودا بما تعودنا عليه من دلالات ضيقة للمعرفة باعتبارها نتاج التعليم فقط، بل هو منظومة متكاملة تشمل الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع. لذا فمجتمع المعرفة كما جاء في التقرير (في رسم توضيحي جميل في الصفحة127) يجب أن يبدأ من رؤية شاملة تقوم على ثلاثية المعرفة والحرية والتنمية، تتبعها سياسات وطنية وخطط استراتيجية تقوم بها المؤسسات التنفيذية. فالرؤية تتبعها سياسات تنفذها المؤسسات وفقا لأعمدة متداخلة ومترابطة لإحداث التغيير المطلوب. هذه الأعمدة تشكل محاور العمل الخمسة الأساسية وهي: البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، نظم الابتكار والتجديد، تكنولوجيا المعلومات، التعليم والتدريب والإعلام، وبيئة الأعمال والاستثمار.. وبناء على هذه الرؤية نرى أن كل مؤسسات الدولة معنية بمجتمع المعرفة باعتبارها مؤسسات تجهيز وتنشئة الأجبال ابتداء من صناعة المعرفة التي لا تقوم إلا في مناخ الحرية المؤدي للابتكار ومن ثم التمكين القائم على التعليم والتدريب والإعلام والبيئة السياسية والاقتصادية والثقافية التي يمارس من خلالها النشء دوره في مجتمع المعرفة. المحصلة النهائية المهمة التي نخرج بها من التقرير هي أن التغيير وبناء مجتمع المعرفة ليس بالسهولة ولا الانعزالية التي كنا نظنها إذ يتطلب التكامل ما بين المعرفة والحرية والتنمية. ويندرج تحت مفهوم المعرفة التكنولوجيا والتعليم والتدريب والإعلام، أما محور الحرية فيضم الابتكار والتجديد وبالطبع البيئة الاجتماعية والسياسية في الوقت الذي يلامس فيه مفهوم التنمية كل من محوري التدريب والإعلام والبيئة السياسية وبيئة الأعمال والاستثمار. كنت أود لو أن التقرير ناقش الحالة السعودية، ولكن لعله من المفيد الاطلاع على الحالات العربية المدروسة في التقرير وخاصة حالة دولة الإمارات التي نشترك معها في عدة سياقات، ولي معها وقفة في المقال القادم بإذن الله. [email protected]