أحيل إلى التقاعد في هذا الشهر الهجري الآلاف من السعوديين. والسبب يعرفه أهل البلد: اعتبروا رسميا مولودين في أول يوم من رجب. ذكر كلمة تقاعد يعني عند الكثيرين الابتعاد عن الحياة، كما لو أن المتقاعد ينزع ملابس وأفكار العمل الوظيفي، ويكتفي بذكرياتها وقضاء بقية حياته بعيدا عن جو عمل. لكن هذا ليس بدقيق، لأنه لا يميز بين الواقع والتعريفات القانونية. المتقاعد تعريف قانوني، يعني بلوغ سن ما يحال بعدها الشخص إلى التقاعد، أما الحكم بأنه ما زال قادرا على الإنتاج وإما انتهى عمره الإنتاجي فتلك قضية أخرى تقررها حالة ورغبة وظروف المتقاعد وليس النظام. ولا ننسى أن ديننا السمح يحث على العلم من المهد إلى اللحد، وعلى العمل مدى الحياة. وكلما طال العمر ازدادت الخبرة، والإحالة إلى التقاعد القانونية لا تعني إحالة إلى التقاعد حقيقة. ولعل التفكك من قيود الرسميات مساعد على الفكر وشحذ الهمم وعلى توفير وقت لأداء أعمال نافعة للمجتمع، تبقى آثارها وتنفع صاحبها في أخراه. العمر التقاعدي الحكومي (60 سنة بالهجري)، يعادل نحو 58 سنة ميلادية، وفي هذه السن لا يزال المرء غالبا قادرا على العطاء ولا يزال يملك قوة إنتاجية، ولولا ذلك لما كانت سن التقاعد ''الحكومي'' في عموم ما يسمى بالدول المتقدمة، وفي مؤسسات القطاع الخاص ''في المملكة وغير المملكة'' يتجاوز 58 سنة بسنوات، قد تبلغ أو حتى تتجاوز سبع سنوات. عندنا ملايين المستقدمين، وفي المتقاعدين ثروة من المعرفة والخبرة، يمكن استثمارها في العمل التنموي وغير التنموي. ويبقى على المتقاعد تقييم وضعه والجد في البحث عن الفرص للاستفادة من وقته، بدلا من الكسل والملل، وقوعا تحت وهم فوات قطار الشغل. وما هذه المقالة إلا عامل مساعد، موجهة للمتقاعدين بقوة النظام. تتفاوت أهمية الحصول على عمل من شخص لآخر، فهناك كثير من المتقاعدين من ذوي الدخل المنخفض، تقابلهم زيادة أعباء الحياة عليهم، وأن يساعد المجتمع المتقاعد في الحصول على عمل خير من بقائه مسكينا، وخير من إعطائه مالا على سبيل أو بما يشبه الصدقة. وهناك أشخاص لديهم خبرات كبيرة لا بد من الاستفادة منها، وبين هذين النوعين حالات وأنواع. وإذا كان الشخص المتقاعد يتمتع بتأهيل وخبرات متميزة أو مكلف بتكوينها، فالمجتمع خاسر أكثر من الشخص عند عدم الاستفادة منه. ولذا أرى أنه ينبغي مد سن التقاعد أو طلب تمديدها سنوات في المهن المنطبق عليها التوصيف السابق. على سبيل المثال، أساتذة الجامعات السعوديون لا يمثلون إلا نسبة قليلة من منسوبي الجامعات، ولا سيما أن هناك جامعات حكومية جديدة وهناك كليات وجامعات أهلية أيضاً، والأستاذ الجامعي يصبح في قمة نضجه الفكري في الخمسينيات والستينيات. وينطبق الكلام على مهن أخرى كالمهن الصحية والهندسية والمالية. وغالبا يثار موضوع أي الفريقين أولى بالعمل: العاطل أم المتقاعد؟ الأصل أن العاطلين عن العمل أحق بالوظائف من المتقاعدين، لكن يجب أن نفرق. المتقاعد، وهو في أوائل الستينيات غير المتقاعد في السبعينيات، والمتقاعد من ذوي الدخل المنخفض غير المتقاعد من ذوي الدخل فوق المنخفض. والمتقاعد من ذوي الكفاءة والخبرة غير قليل المهارات. هناك كفاءات كثيرة متقاعدة ينبغي الاستعانة بها في مجالات عدة حكومية وغير حكومية. ومن جهة أخرى، لدينا ملايين من المستقدمين، ويمكن أن يغني عنهم بعض المتقاعدين. نقلا عن الاقتصادية