حماية الحقوق هي حجر الزاوية في اقتصاد السوق الناجح والقابل للاستدامة - التي تعني اقتصادياً الموثوقية والسرعة والوضوح. الزمن الحالي اقتصادي بامتياز. إذ لا يمكن أن تتراكم الثروتان المادية والمعرفية دون طمأنينة على الحقوق وانتقالها السلس بين الفعاليات الاقتصادية. القضاء العادل دون وعي باستحقاق المرحلة الاقتصادية عدل ناقص. فليس العدل بحثاً عن وسط نظري بين الخصوم فقط. فهذه قد ترضي الضمير، ولكنها نابعة من مجتمع راكد ونظام بيروقراطي مغلق، فالركود لا يتناسب مع الطبيعة الاقتصادية. استحقاقات الزمن الاقتصادي تتطلب وعياً بأهمية الوقت وتقنين التعويض بما يتناسب مع الحركة الاقتصادية، وفهم ترابط مراحلها وأهمية فهم القيمة الجوهرية للأشياء مادياً (محسوسة أو معرفية) أو معنوية. لكيلا يغمز أحد من زاوية ضيقة دعني أقول: إن المنظومة المبنية على الشريعة كفيلة بإصلاح الحال، والشواهد التاريخية كثيرة. الإشكالية في التمترس البيروقراطي والانكفاء المعرفي والانغلاق الثقافي. هذه الحالة تضر بالجميع بما فيها مؤسسة القضاء. كما يجب الإشارة إلى أن التجربة الغربية لم تعط دليلاً قاطعاً على علو تجربة النظام المدني، أو نظام القانون العام فيما يخص التنمية الاقتصادية. فصعوبة تغيير النظام معروفة ومكلفة، وبذلك الأحرى أن ''يتعلم'' النظام ويتحسّن في ظل بيئته الثقافية العامة. تتشكل البيئة بمدى استقلالية القضاء أو أنماط تصرف المؤسسة والقضاة. تنبّهت القيادة إلى القصور الواضح في كفاءة نظام القضاء وأقرّت برنامجاً طموحاً ''وفرضاً'' مستقلاً عن الجهاز البيروقراطي من خلال ميزانية مؤثرة ورؤية جديدة. ولكن المبادرة انتهت في حضن الجهاز نفسه، ولذلك تبقى النتائج أقل بكثير من المأمول (راجع ''الاقتصادية'' عدد 5125 تاريخ 23/10/2007). الإشكالية ليست في توجّه القيادة ولا في الاستعداد للاستثمار المادي والبشري، ولكن في مدى فعالية الجهاز والأفراد المنوط بهم تلك المهام. تتراكم آفة مقاومة التحديث سواء بسبب المصالح الشخصية الضيقة أو بسبب الخوف على ومن المستقبل، أو تشويه الإصلاح وكأنه تهجم على مشروعية النظام القضائي الحالي. في النظام السائد اليوم هناك ما يُسمّى السلطات التقديرية للقاضي وهذا سلاح ذو حدين، فهي إما أداة لمدى استقلال القضاء ومدى قدرة المجتمع ''مؤسساتياً وأفراداً'' على تحمُّل تبعات فعالية القضاء وكفاءته في ظل نظام مجتمعي لا يتحمّل الحيوية في تبعات الأحكام، وبالتالي تصبح مدخلاً لمزيد من الفوضى، أم أنها مدخلٌ لنظام تكون السابقة القضائية مجالاً للبناء والمتابعة والفعالية في الأحكام، لإعطاء نظام القضاء شخصية أخرى. البت في القضايا التخصّصية من خلال لجان خاصّة اعتراف بالخلل ومحاولة لتفادي حاجة القضاء للاستحقاق الاقتصادي، خاصة اعتراف بمدى ابتعاد المنظومة القضائية عن استحقاقات المرحلة. ولذلك أتى نظام قاضي التنفيذ في مرحلة مهمة، فبعد أن كانت الشكوى من التنفيذ، هل سيستطيع النظام الجديد ''التنفيذ''، وهل سيكون قادراً على الإخلاص للاستحقاقات الاقتصادية؟ من المبكر الحكم، ولكن حصر الاهتمام الاقتصادي في هذه الجزئية من القضاء سيكون دليلاً على عدم الوعي بالمرحلة والتحديات. أمام مؤسسة القضاء تحدٍ كبيرٍ وهي قادرة -إذا استطاعت - على فرز القوي الأمين من غير القادر. تبدأ عادة هذه بقبول النقاش الداخلي ونقد الذات ودورات العصف الذهني الصريح، الذي يُدار بمساعدة من خارج المؤسسة. الحل الأمثل يبدأ من داخل البيت، إذ على مؤسسة القضاء معرفة أين هي في سلم التطوير الذاتي والداخلي وأين هي في سلم الأولويات المجتمعية، حيث يواجه المجتمع تحديات تنموية كبيرة سيكون للقضاء دور حاسم سلباً وإيجاباً. في الأخير لن يكون هناك اقتصاد حديث دون طمأنينة على قياس الضرر والتعويضات، ولا يمكن إغفال قيمة الوقت مادياً، ولا يمكن أن يكون هناك تقنين وقياس دون درجة عالية من التماثل في الأحكام والبناء على الأسبقية. نقلا عن الاقتصادية