ثمة علاقة عميقة بين القضاء والعدالة، لأنه لايمكن تحقيق العدالة بمعناها الشكلي أو العميق بدون قضاء، يرجع إليه المتنازعون أو المختلفون لحسم موضوع تنازعهم واختلافهم وفق الأدلة التي يقدمها المدعي أو حلف اليمين الذي يقوم به المنكر لأنه وفق القاعدة الفقهية المشهورة (على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين). إن من ينشد العدالة ويطمح إلى إنجازها في واقعه العام، لابد له من تطوير مؤسسة القضاء وتوفير كل أسباب نجاحها للقيام بدورها ووظيفتها كما ينبغي.. وحسناً فعل خادم الحرمين الشريفين، حينما أعلن عن مشروعه الخاص لتطوير القضاء، والذي تضمن خريطة طريق متكاملة للانتقال بواقع القضاء في المملكة من مرحلة إلى أخرى أكثر تطورا وتقدما وفعالية لذلك فإن من ينشد العدالة ويطمح إلى إنجازها في واقعه العام، لابد له من تطوير مؤسسة القضاء وتوفير كل أسباب نجاحها للقيام بدورها ووظيفتها كما ينبغي.. وحسناً فعل خادم الحرمين الشريفين، حينما أعلن عن مشروعه الخاص لتطوير القضاء، والذي تضمن خريطة طريق متكاملة للانتقال بواقع القضاء في المملكة من مرحلة إلى أخرى أكثر تطورا وتقدما وفعالية. والوطن من أقصاه إلى أقصاه، يتطلع إلى الإسراع في تحويل بنود هذا المشروع إلى ارض الواقع . لان تطوير القضاء أضحى ضرورة وطنية ومجتمعية لايمكن تجاهلها أو التغافل عنها. لأن هذه المؤسسة هي حجر الأساس في تحقيق الأمن العميق للناس، ووسيلتهم القانونية لحل مشاكلهم وخلافاتهم.. ودون هذه المؤسسة، التي هي إحدى السلطات المهمة في أي نظام سياسي، تتحول الحياة الاجتماعية إلى شريعة غاب، بحيث لا ناظم لحياة الناس العامة، التي هي بالضرورة حياة ستعاني من تناقض للمصالح وتنازع على مستوى الحقوق والأولويات.. وكل هذه العناصر وغيرها، لايمكن أن تنتظم في حياة اجتماعية سوية بدون مؤسسة للقضاء حيوية وفعالة، ولها سلطتها الرمزية والمادية لتنظيم حياة الناس بدون افتئات أو تعدّ على الحقوق من أي طرف كان.. فالقضاء هو سبيل الأمم والشعوب لانجاز مفهوم العدالة، وهو القادر وفق القانون لإعادة الحق أو الحقوق لأصحابها، وهي المؤسسة التي يناط بها صيانة وحماية الملكيات والحقوق وفض النزاعات والخصومات ومنع التعدي على الذمم والشخصيات، والحقوق المادية والمعنوية للناس .. وكلما تعقدت حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية وتداخلت حقوقهم وذممهم المالية، تعمقت الحاجة إلى قضاء متطور وفعال، لكي يستوعب جميع المتغيرات والتطورات.. بحيث لا تتحول هذه المتغيرات إلى وسيلة أو مبرر لتضييع الحقوق والكرامات.. لهذه الاعتبارات وغيرها، اعتنت الشريعة الإسلامية بخصائص وصفات القاضي، لأنه المؤتمن على تطبيق القانون وتنزيل نصوص الشريعة على الوقائع الخارجية.. لذلك من الضروري أن يتصف القاضي بمجموعة من الصفات، حتى يكون مؤهلا نفسيا واجتماعيا وعلميا لتحمل مسؤولية القضاء بين الناس.. يقول تبارك وتعالى (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما)، (النساء 105).. وجاء في وصية الإمام علي بن أبي طالب إلى مالك الأشتر حين ولاه مصر (فاختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصوم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراق) .. فالقضاء كما يعبر أحد العلماء يتجاوز كونه مجرد معلم ومرشد إلى الحكم الشرعي، ليكون القاضي في موقع النظر في الواقعة المتخاصم عليها.. أولا : ليحل عقدها وتشابكها، وثانيا : ليكتشف المحق من المبطل، وثالثا : ليصدر حكما في القضايا يصلح فيه بين المتخاصمين.. لهذا فإن مؤسسة القضاء هي المعنية بصيانة العدالة الاجتماعية، وإلى تلافي وتجاوز كل ما من شأنه أن يضر بأصول التضامن والائتلاف الاجتماعي.. فتتوطد من جراء ذلك المحبة والتراحم بين أبناء المجتمع الواحد، وتزول أسباب التباغض والعداوة.. من هنا وعلى ضوء الوظائف والأدوار الكبرى والمهمة التي يقوم بها القضاء في المجتمعات الإنسانية، تتأكد الحاجة إلى بيان النقاط التالية: 1-التعامل مع مقولة تطوير القضاء وإصلاحه، بوصفها من المشروعات المستديمة، التي تتطلب باستمرار فحص الممارسات ومراقبة القضاء وشؤون تسيير معاملات الناس المختلفة.. ومن الضروري أن ندرك أن المجتمعات التي تتعامل مع الإصلاح والتطوير الدائم لمؤسسة القضاء من المهام المستديمة، هي المجتمعات التي تصون حقائق العدالة في فضائها الخاص والعام.. أما المجتمعات التي لا تعطي أولوية مستديمة لتطوير قضائها، فهي مجتمعات ستعشعش فيها المشاكل، وتتراجع فيها هيبة القضاء وستضيع بعض حقوق الناس بسبب تراجع مستوى القضاء.. لهذا فإننا نعتقد أن صيانة العدالة في المجتمعات، وهي أبرز مهمة للقضاء، لايمكن تحقيقها بدون الاهتمام الدائم بتطوير القضاء على مختلف المستويات والصعد.. لهذا فإننا ينبغي أن لا نتوجس خيفة من دعوات تطوير مؤسسة القضاء، لأنها دعوة تعكس مدى أهمية هذه المؤسسة في استقرار الأوطان والمجتمعات.. وبدون التطوير الدائم قد تتراجع فعالية مؤسسة القضاء ما يفضي إلى بروز ثقوب عديدة في مسيرة القضاء في مجتمعنا.. من هنا فإننا ندعو إلى تأسيس إطار علمي- قانوني دائم، يعنى بتطوير القضاء ومعالجة النتوءات التي تبرز في مسيرته على مختلف المستويات.. 2-لكوننا نتحدث عن بشر وعن مؤسسة بشرية، لذلك فإن النقص والتقصير هما من لوازم هذا الإنسان بصرف النظر عن موقعه ووظيفته.. ولكن للموقع الحساس وللوظيفة الحيوية التي تقوم بها مؤسسة القضاء، تتأكد الحاجة إلى تفعيل الدور الرقابي والمحاسبي للقضاء والقضاة .. فلا تطوير للقضاء إلا بتطوير القاضي نفسه علميا وأخلاقيا وسلوكيا.. والقاضي الذي يقع تحت إغراء المال أو مقتضيات القرابة ينبغي أن يصوب، وإذا تكرر منه العمل يعاقب، وذلك للحفاظ على مؤسسة القضاء نزيهة وبعيدة عن كل أشكال الانحراف والفساد.. لأن فساد القاضي مع السكوت عنه، يفضي إلى مخاطر ومفاسد عديدة .. ولا قدرة لنا لمقاومة هذه الأشكال من الانحرافات إلا بتطوير أجهزة المراقبة والمحاسبة.. فثمة أخطاء يصل بعضها إلى مستوى خطايا، ارتكبها قضاة تحت تأثير الإغراء المالي أو ما أشبه، كلفت مجتمعنا ووطننا الكثير على المستويات كافة.. وحتى لا تتكرر هذه الخطايا، نحن أحوج ما نكون إلى القطيعة النفسية والعملية مع النزعات النرجسية، التي تغطي على عيوبنا، لأن هذه النزعة ساهمت بطريقة أو أخرى في تراكم بعض هذه الأخطاء.. فليس عيباً أن يخطئ القاضي أو يقع تحت تأثير إغراءات أو عوامل ليست منسجمة ومعايير النزاهة والعدالة، ولكن العيب هو أن تستمر هذه الأخطاء، ولا تتم محاسبة المرتكب.. إننا ندعو إلى محاسبة المرتكب وتطوير الأداء الرقابي تجاه المؤسسة القضائية، لأنها هي حجر الأساس في مشروع صيانة العدالة الاجتماعية ومنع التعدي على الحقوق العامة والخاصة.. وبمقدار ما ندعو إلى احترام مؤسسة القضاء، بذات القدر ندعو محاسبة المقصرين ومعاقبة المسيئين للقضاء ومؤسسته.. 3-ثمة حاجة لكي يكتمل عمل مؤسسة القضاء إلى الإسراع في تأسيس جمعيات للقانونيين والمحامين، لأن جهودهم هي مكملة لجهود القضاء ولايمكن أن تنجز العدالة في أي بيئة اجتماعية، إلا بمأسسة عمل أهل القانون والحقوق وأهل المحاماة، لأن عملهم يساهم في صيانة العدالة، ويحول دون الوقوع في الخطأ والانحراف.. لذلك فإننا نعتقد أن عمل المحاماة وأهل القانون والحقوق، ليس منفصلا عن عمل القضاة، بل إن عمل الأوائل أي أهل القانون والمحاماة، هو المقدمات الضرورية لصوابية عمل القضاة وبدونها يبقى عمل القضاة ناقصا.. وجماع القول : إن قوة مجتمعنا في سعيه المتواصل لتحقيق العدالة بين أفراده.. ولكي تنجز العدالة على نحو مؤسسي، فنحن بحاجة إلى التطوير الدائم لسلك ومؤسسة القضاء، وتوفير منظومة مؤسسية متكاملة يسند عمل القضاة وعلى رأس هذه المنظومة أهل القانون وأهل المحاماة فهم سند في إنجاز العدالة في بعدها المؤسسي في واقعنا الاجتماعي والوطني..