لم أستطع كبح نفسي من الشعور بالشفقة وأنا أسمع طالبة في الصف الثاني المتوسط لم تتجاوز ال12 من عمرها، تستظهر ما حفظته مع والدتها وهي تذاكر في مادة الفقه درسَ «البغض في الله». يقول الدرس إن «علينا أن نبغض غير المسلمين، فالبغض فعل نابع من القلب وتتبعه أعمال ظاهرة»، ثم يعود الخطاب إلى القول إن هذا البغض لا يمنعنا من أن نقسط إليهم، مفسِّراً الآية التي تقول (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) بأنها تفيد البغض في الله مع حسن التعامل معهم وتأليف قلوبهم والعدل معهم وعدم ظلمهم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تعامل مع اليهود والمشركين في البيع والتجارة، وفي المجاوَرة، وكان يزور مرضاهم ويعودهم. وقفت الطالبة أمام هذا الكلام عاجزة عن فهمه، وعادت تسأل والدتها: «الإسلام يحثنا على المعاملة الحسنة، فلِمَ عليَّ أن أحمل في قلبي بغضاً نحوهم؟ هل هذا الكلام ينطبق على السائق والخادمة المسيحيين اللذين يعملان معنا في البيت نفسه؟ وكيف نبغض من يعيش معنا في المكان نفسه ويطبخ طعامنا؟». ثم تسأل: «لو أن السائق يبغضنا، فهل سيحافظ على حياتنا ويقود السيارة بانتباه، أم سيقود باستهتار ولامبالاة؟ ولو كانت الخادمة تبغضنا فهل ستحرص على تقديم طعامنا نظيفاً صحياً أم ستقدّمه بما فيه من أوساخ وقذارة؟ وهل الكراهية هي شعور محله القلب فقط من دون أن يترتب عليه حرمان من نكرهه من الخير والإحسان؟». الطالبة الذكية لم تجد من أمها جواباً إلا «احفظي هذا الكلام المكتوب فقط، ولا عليكِ بتفسيره». عندما فتّشت عن معنى البِرّ وجدت الله وصف نفسه بالبَرّ، ووصّى الإنسانَ ببِرّ والديه والإحسان إليهما اللذين أوصى بهما لغير المسلمين الذين لم يقاتلونا... فكيف يجتمع البَرُّ، وهو «كثير الإحسان»، وقيل «واسع الخير»، مع الكراهية والبغض؟ أنا شخصياً وقفت في حالة عجز كامل عن فهم: كيف يمكن أن يجتمع متناقضان في قلب وفعل؟ إن كان الدين هو المعاملة، فإن الله يحاسبنا على معاملتنا الناسَ وليس على ما تضمره قلوبنا نحوهم، وهذا ينطبق حتى على شعورنا وفعلنا مع المسلمين، فما الداعي إلى أن ندخل قلوبَ الناس ونعلمهم كيف يشعرون حيال الآخرين؟ وما هو الداعي أن أجعل طفلاً في ال12 يعيش هذا الصراع بشعور وفعل متناقضين مع غير المسلم طالما أن البِرّ والإحسان والعدل والقسط هي الأمور المطلوبة في المعاملة؟ قد يقول قائل إن هذا الكلام هو مجرد موقف نظري على الطالب المسلم أن يعرفه وينتهي منه، ولكن تطبيقاً للأسئلة والأمثلة، أنت تعود لتشرح للطالب والطالبة كيفية العمل بهذا الحكم: ما هو موقفنا من لاعب غير مسلم؟ الجواب: أبغِضْه في الله. ما هو موقفنا من سائق غير مسلم؟: أبغضه في الله... إلخ. وهكذا، يصبح البغض وجبة طازجة ساخنة يقدمها منهج الفقه للطلبة حتى وهم يتفرجون على مباراة كرة قدم. هؤلاء الطلبة الذين يدرَّسون كيف يبغضون اللاعبين غير المسلمين والخدم غير المسلمين، سيشاهدون هذه الأيام شيخاً سعودياً شهيراً يزور مصر، ويظهر في صورة وهو يحضن القس المصري المسيحي ويهديه عطراً ويقبله ويثني عليه، وهنا نطرح سؤالاً من نوع: هل لدينا نسختان من الإسلام، خارجية وداخلية؟ أم أننا نشجع على الكذب مع الكبار بينما نحن نمزق عواطف الصغار في مدارسنا ونملأ عقولهم بصراع لا نعرف أين يأخذهم؟ هل درس المحبة والتسامح صعب في مناهجنا؟ نقلا عن الحياة اللندنية