ظل الصراع بين من يمثلون الفكر الجديد والمنفتح والثقافة بمفهومها الواسع ومع من يعرفون اصطلاحا برجال الحسبة صراعا قويا وعنيفا وقد لاحظنا ذلك واضحا وجليا في معارض الكتاب في الرياض وحالة الشد والجذب التي عادة ما تفضي إلى تلاسن علني وعناوين كبيرة ولافتة في وسائل الإعلام. وما حدث مؤخرا في نادي جدة الثقافي الأدبي واعتراض من هم محسوبون على الحسبة على وجود قسم نسائي داخل قاعة المحاضرات والندوات والأمسيات وهي القاعة الرئيسية الكبرى في النادي بالرغم من أن الحضور النسائي كان في ركن قصي وأغلبه من أبرز الكفاءات والقدرات النسائية فكرا وثقافة ومعرفة وعلى مستوى أكاديمي رفيع. إلا أن أفرادا ممن لا يمثلون هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الجهة أو المؤسسة الدينية التي تمثل المرجعية لرجال الحسبة، قاموا باقتحام قاعة النادي الثقافي الأدبي بجدة واعترضوا على وجود المثقفات والأديبات في القاعة كان ذلك أثناء ندوة «قضايا التغريب». إن حالة الصدام ما بين المثقف والمحتسب في المشهد الثقافي والاجتماعي السعودي حالة قديمة كان أبرز تجلياتها في الثمانينيات الميلادية بين تيار الحداثة الذي كان يمثله مجموعة من الشعراء والأدباء والمثقفين والنقاد ممن يحملون توجها جديدا لصناعة خطاب فكري وثقافي وإبداعي وتيار آخر يمثل الثقافة السائدة وهو ما أفرز تلك المعركة الطاحنة التي كان كتاب الشيخ عوض القرني «الحداثة في ميزان الإسلام» أحد إفرازاتها مع إيماني المطلق بأن حركة الحداثة انتصرت بما حققته من إنجازات إبداعية وفكرية وفي بروز دور المرأة السعودية وفي قيام حركة تحديث في كل المجالات والحقول بدءا من الجامعات الجديدة إلى دخول المرأة مجلس الشورى، إلى الابتعاث الخارجي وغيرها من مظاهر التحديث. إن الصراع ما بين دعاة التجديد والتحديث وأصحاب الدعوة إلى إيقاف حركة التجديد والتحديث ليست حالة طارئة ولن تكون بل سوف تستمر ولكن ينبغي أن ندرك أن حركة التاريخ وحركة الكون تقول بأن الجديد والحديث والمختلف هو الذي سوف ينتصر ويحقق حضوره ووجوده، فالعقل الخلاق المنحاز إلى تكريس القيم الحديثة والمدنية هو الذي يبرز ويكون. وسوف تظل حالة الصدام والصراع في الحالة السعودية قائمة بين من يمثلون ذهنية المنع والممانعة وبين من يمثلون ذهنية الحداثة والانفتاح. نعم.. في بلادنا.. مثقفون ومحتسبون وهي ثنائية تعكس الحالة الاجتماعية السعودية بامتياز نقلا عن عكاظ