نما ناتج المملكة غير النفطي بمعدل سنوي مقداره 3.1 في المائة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1980 و2011. ومع أن هذا المعدل جيد نسبياً وأفضل بكثير من الجمود الذي شهده القطاع النفطي، إلا أنه ما زال أقل من معدلات النمو المحققة في الدول النامية، التي بلغت خلال الفترة نحو 3.7 في المائة. ولهذا فإن هناك أسباب أخرى غير جمود الناتج النفطي (الذي تم التطرق إليه في المقالة السابقة) أسهمت في تراجع الناتج المحلي للفرد خلال الفترة. وينبغي تفحص هذه الأسباب لكي يمكن التعامل معها وتحقيق معدلات نمو أفضل خلال السنوات المقبلة في القطاع غير النفطي، الذي يوظف الأغلبية الساحقة (99 في المائة) من العمالة في المملكة. ورفع معدلات النمو في القطاع غير النفطي ضروري لرفع معدلات دخل الفرد وتحسين معيشته، كما سيكون من المستحيل خفض معدلات البطالة دون رفع معدلات النمو في القطاع غير النفطي. وفيما يلي سرد لبعض العوامل التي حدت من ارتفاع معدلات نمو القطاع غير النفطي: 1 - انخفاض معدلات الادخار بين السكان وارتفاع معدلات الاستهلاك؛ بدليل النمو السريع للقروض الاستهلاكية في الاقتصاد. 2 - توجه جزء كبير ومتزايد من الاستثمار إلى الأصول والمضاربة غير المنتجة سواءً في العقار أو في سوق الأسهم، وتراجع الاستثمارات في قطاعات الإنتاج الحقيقية. 3 - مكن توافر العمالة الرخيصة رجال الأعمال من خفض الاستثمارات الرأسمالية وخفض استخدام التقنية ورأس المال في الإنتاج، وبذلك استمرت الكثافة العمالية المرتفعة في القطاع غير النفطي. وساعد توافر العمالة من الخارج في الضغط على الأجور واستمرار الجمود في مستوياتها، مما أحبط إحلال رأس المال محل العمالة، وخفّض من نمو الإنتاجية. ويمكن ملاحظة انخفاض الاستثمارات الرأسمالية في كثير من القطاعات كقطاع الإنشاءات الذي استمر في الاعتماد على الكثافة العمالية العالية. 4 - استئثار النمو في القطاعات غير المنظورة؛ مما قلل من معدلات النمو في القطاعات المنظورة. 5 - قد يعود تراجع نمو الناتج المحلي للفرد في حدوث جزء من النمو في القطاعات منخفضة التأثير في الناتج المحلي، مثل بعض الخدمات الهامشية المستخدمة للعمالة الرخيصة منخفضة المهارة. 6 - تسبب الإحلال المستمر للعمالة الأجنبية في خفض تراكم رأس المال البشري، الذي يعد المحفز الأول لارتفاع معدلات الإنتاجية. وتقود بعض ممارسات الأعمال إلى ترك الخبرات الأجنبية للعمل في المملكة بعد عدة سنوات من العمل واكتساب الخبرة وإحلال عمالة منخفضة المهارة في مكانها. 7 - الأزمات والالتزامات المالية وتراجع قيم الأصول، حيث يقود التراجع المفاجئ في أسعار الأصول من أسهم وعقارات، إلى تراجع في ثروات وإنفاق الأسر، مما يؤثر سلباً في معدلات النمو الاقتصادي، وقد أدى انهيار سوق الأسهم في عام 2006 وحروب الخليج - وإلى حد أقل تراجع أسعار العقار في منتصف الثمانينيات - إلى خفض معدلات النمو الاقتصادي، ولكن لا توجد تقديرات لقياس تأثير كلا الحدثين. 8 - لعب استمرار ارتفاع معدلات تركز المنتجين ووجود الاحتكارات في بعض القطاعات، دوراً في تراجع معدلات النمو في هذه القطاعات، وأبرز هذه القطاعات، القطاع النفطي وقطاعات: النقل الجوي والمصارف والاتصالات. وقد تكون هناك قطاعات أخرى غير محددة أو معروفة تعاني ارتفاع معدلات التركز وانخفاض المنافسة. 9 - تركزت استثمارات تطوير الموارد البشرية في العمالة السعودية التي تتجه بوجه عام للقطاع الحكومي. وأدى هذا التركز إلى خفض تأثير الاستثمارات الضخمة المنفقة على تطوير الموارد البشرية في الناتج المحلي الإجمالي. ويصعب قياس تطور الإنتاجية في القطاع الحكومي، حيث يقاس التطور في نمو الناتج الحكومي بنمو عدد العاملين في هذا القطاع. وتركز نمو القطاع الخاص في القطاعات المستخدمة للعمالة منخفضة المهارة، لهذا ليس من المتوقع أن يكون القطاع الخاص قد حقق نمواً إيجابياً في إنتاجية عمالته. وينعكس نمو الإنتاجية على الأجور، وقد ظلت الأجور شبه جامدة في القطاع الخاص؛ مما يشير إلى تدني النمو في إنتاجية عمالة القطاع الخاص. 10 - إن عدم تحقيق نمو إيجابي في الناتج المحلي للفرد قد يكون عائداً ولو بشكل جزئي لانخفاض فاعلية الاستثمارات العامة والخاصة، حيث حدث جزء كبير من هذه الاستثمارات في القطاعات الأقل تأثيراً في نمو الناتج المحلي؛ مثل قطاعات الدفاع والأمن، أو أن المبالغ المنفقة كانت أكثر مما ينبغي إنفاقه. 11 - قد يسهم اختيار سنة الأساس للمقارنة دوراً في خفض معدلات نمو الناتج غير النفطي. وكان عام 1980 من أفضل الأعوام التي مر بها الاقتصاد السعودي، واختياره كأساس للمقارنة يقود إلى خفض معدلات النمو خلال الفترة. ويمكن الرد على هذا بأن عام 2011 - وهو عام المقارنة الأخيرة - هو عام طفرة اقتصادية أيضاً، ولهذا فإن من المنطق مقارنة سنة قياسية مع سنة قياسية أخرى سابقة. 12 - قد يعود تراجع نمو القطاع غير النفطي - ولو بشكل جزئي - إلى وجود معضلات في قياس بعض مكوناته، مما سيؤثر في مستويات النمو في حالة كون البيانات الرسمية تخفض من قيم هذه المكونات في السنوات الأخيرة مقارنةً بسنوات المقارنة الأولى. وتثار بعض التساؤلات حول دقة قياس قيم بعض مكونات الناتج المحلي مثل تقديرات تقدير ملكية المنازل الضمنية أو المحتسبة، التي يبدو أنها لم ترتفع كما ينبغي خلال العقود الماضية، على الرغم من التوسع الكبير في بناء المنازل وتحسين نوعيتها. نقلا عن الاقتصادية