أي أمة تتقدم بفضل الله ثم بفضل مواطنيها ومواطناتها المبدعين والمبدعات.. والموهوبين والموهوبات.. وفي هذه البلاد الكريمة احتفلنا على مدى سنوات بالكثير من هؤلاء.. وسجلوا براءات اختراعات كثيرة.. واحتفت بهم المراكز العلمية في طول الأرض وعرضها من ماليزيا إلى أميركا مروراً بالمراكز العلمية في أوروبا.. وحصلوا من هذه المراكز على اعترافات وجوائز.. وكل ذلك يفترض أن يكون مرحلة ضمن المراحل التي تمر بها هذه الاختراعات وليس هدفاً.. مرحلة يُفترض أن تتبعها مراحل حتى تصل هذه الاختراعات إلى شركات ومصانع تنتج بضائع يتم تصديرها، تسهم هذه الاختراعات بما نسميه "اقتصاد المعرفة" إلى الارتقاء بمستوى الاقتصاد فتؤثر إيجابيا على الميزان الاقتصادي ليصبح ما يصدر أكثر مما يستورد، وتسهم في حل مشكلات البطالة بتوظيف المواطنين، وحل مشكلات نعرفها جميعا تترتب على البطالة ومنها الجريمة والعنوسة وتملك البيوت إلى آخر منظومة المشكلات الاجتماعية. إن من غير الحكمة، ألا يستثمر أي وطن جهود مبدعيه وموهوبيه.. في البلاد المتحضرة والمتقدمة لا يمضي شهر من تسجيل براءة الاختراع حتى يتحول ذلك الاختراع إلى شركة تسهم في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.. والتفصيلات في ذلك كثيرة.. وبما أننا رغم ما كتبناه هنا مرارا لم نجد الرد أو التجاوب فسأحاول الاجتهاد لتحديد المشكلة.. فالمشكلة أن المخترع عندما يريد استثمار اختراعه وتحويله إلى شركة منتجة عليه أن يتعامل مع عدة وزارات بما في تلك الوزارات من بعض الإجراءات البيروقراطية، ومنها وزارة المالية للحصول على المال ووزارة الصناعة بحكم وجود مصانع ووزارة التجارة لتحديد مواصفات المنتج ووزارة البلديات للحصول على الأرض. وتوضع العراقيل تلو العراقيل أو تطول الإجراءات ويضيق نفس أصحاب الطلبات.. مع العلم أنه من المفروض ألا تكون مسؤولية تحويل المخترعات إلى بضائع مسؤولية المخترع، فليس هذا دوره، وقد اقترحت أن تنشأ "هيئة المخترعين" لتحتضن هؤلاء المبدعين. عدونا الأول هو الوقت. ونحن لم نر جهةً محددة ترعى هؤلاء الشباب المتفوقين الذين سجلوا براءات اختراع عديدة على مستوى الوطن لتحويل تلك الاختراعات إلى شركات منتجة. نقدر لتلك الجهات التي رعت تلك المواهب حتى أوصلتها إلى هذا المستوى، لكن ليس من مهام تلك الجهات إكمال المسيرة. ولهذا قد يكون من المناسب جداً تأسيس هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة بكوادرها وميزانياتها لتحويل اختراعات مواطنينا إلى شركات منتجة حتى لا ننزلق في نمطية الروتين وسرد مبررات غياب الدعم والتمويل أو أي مبررات أخرى تضع مثل هذه الإنجازات على الرفوف تكوِّم الغبار.. ونحن لا نريد ذلك.. نريد هيئة مستقلة تعد خططاً وسياسات تتجاوز الروتين وتتجاوز التبريرات لنرى مصانع قد قامت وشركات قد أسست لنجني ثمار هذه الاختراعات في وقت قياسي، لتتحول هذه الابتكارات إلى صناعات تحول بلادنا إلى دولة متعددة مصادر الدخل غير القابلة للنضوب، واقتصاد معرفة غير قابل للنضوب. والخطوات المتحققة في وصول موهوبينا إلى هذه النتائج الباهرة هي على الطريق الصحيح، وأرى أنه من الضرورة تأسيس هيئة للمخترعين تركز فقط على هذه المهمة. مساعدة المخترعين على تأسيس شركات ومصانع ينكعس أثرها إيجابياً على مشكلة البطالة بشكل خاص وعلى اقتصاد الوطن بشكل عام. إنها تحقق لنا اقتصاد المعرفة، هذا الهدف الذي أصبح سمة بارزة من سمات عصرنا الحاضر، خذوا مثلاً لإنجازات مخترعينا، ونسأل أين انتهى بها الأمر؟ حملت لنا الصحافة في شهر محرم من هذا العام فوز 7 سعوديات بجوائز "إنتل العربية للعلوم والهندسة" وفوز أستاذتين سعوديتين من جامعة الملك عبدالعزيز هما البرفسورة ناجية عبدالخالق الزنبقي أستاذة علم الطفيليات في كلية العلوم، والمحاضرة في قسم الأحياء في الجامعة نفسها نهى الزيلعي بميداليتين فضيتين في معرض الكويت الدولي للاختراعات.. وشعرت كمواطن سعودي بالفخر والاعتزاز لهذا الوجه المشرق لبلادنا الذي تم تمثيله بهذه الكوادر الوطنية المميزة التي حققت تلك الاختراعات. وابتهجنا وابتهج الوطن بما حملت الأخبار إلينا من نجاح المخترعين السعوديين في تحقيق 9 ميداليات وجائزتين في ختام معرض جنيف العالمي للمخترعين الذي أقيم في سويسرا في شهر محرم أيضاً من هذا العام، من بين 1000 اختراع وابتكار و750 مخترعا ينتمون ل 45 دولة. وكانت مشاركات السعودية تتمثل في مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة" في الدورة الأربعين من معرض جنيف العالمي للمخترعين ب 9 مخترعين والذي استمر 5 أيام واستقطب نحو 60 ألف زائر. وحصل المخترع الدكتور عبدالرحمن السلطان والدكتور سعد إبراهيم المهيزع على جائزة المنظمة العالمية في مجال الطب، والدكتور ذيب عايض فهيد القحطاني على الميدالية الذهبية عن اختراعه في مجال أنظمة التشفير.. وحققت الدكتورة مها محمد عمر خياط من جامعة أم القرى على الميدالية الذهبية عن اختراعها في مجال النانو، وحصل باسم عبدالهادي علي نواز على الميدالية الذهبية عن اختراعه "السياج الشبيكي المانع لزحف الرمال"، كما حقق محمد حشان آل مهذل الميدالية الذهبية عن اختراعه "استخدام المحسنات الكبريتية لزيادة أداء الطرق الأسفلتية"، كما فاز ثامر عبيد العجمي على الميدالية الفضية عن اختراعه "خيمة بدون أعمدة" وحامد علي القحطاني من جامعة الملك خالد على الميدالية الفضية عن اختراعه قاتل ذبابة الرمل (SFK)، وحمد مبارك الصقيهي من صندوق التنمية الصناعية السعودي على الميدالية الفضية عن اختراعه تخفيض حرارة محرك السيارة وزيادة برودة المكيف. كما كانت هناك شهادة أخرى لمعرض جنيف العالمي للمخترعين بدورته المقامة في جنيف بسويسرا في شهر أبريل من عام 2011 التي حققت فيه المملكة 11 جائزة. هذه الإنجازات النوعية يجب ألا يقف ابتهاجنا عند سماعها والاحتفاء بها. نأمل ونتمنى أن يُسار في تأسيس هيئة للمخترعين لتحويل مخترعاتهم إلى شركات توظف مواطنين وتصدر بضائع وتحقق بدائل دخل وتدعم وضعنا الاقتصادي وتضعنا في مصاف العالم الأول.