تتجه وزارة العمل لإصدار ''قائمة سوداء'' بعدد السعوديين العاطلين عن العمل، الذين تم تقديم كامل فرص التوظيف اللازمة واللائقة لهم ولم يستفيدوا منها، أو حصلوا على المزايا التي تقدمها الجهات الحكومية للعاطلين كبرامج التدريب، أو إعانة حافز، أو حتى الذين تنقلوا في مواقع عمل كثيرة لأسباب غير مقنعة. وكشف ل ''الاقتصادية'' أحمد الحميدان وكيل وزارة العمل للشؤون العمالية، أن الوزارة ستعمد لاحقاً، وبعد أن نفذت برامج مساعدة للسعودة كبرنامج نطاقات، أو برنامج حافز، أو برامج صندوق الموارد البشرية، إلى نشر قائمة بأسماء السعوديين الذين تعتقد أنهم لا يرغبون في العمل، وأن هذه القائمة سيتم إطلاع شركات القطاع الخاص عليها. هذا مقطع من التصريح المطول لوزارة العمل الذي نشرته في هذه الصحيفة يوم الثلاثاء الماضي، والذي أثار لدينا بعض الملاحظات وأيقظ في نفوسنا بعض التساؤلات. وأريد أن أقف قليلا على النقاط الحرجة في هذا التصريح الذي يبدو أنه أعد من دون دراسة متأنية وتفكير متزن. عند قراءتي التصريح ظهر لدينا تساؤلات عدة نريد لها إجابات مقنعة من وزارة العمل حتى تتضح الصورة وحتى لا يجد المواطن نفسه في القائمة السوداء دون أن يدري: 1. أبرز ما يلفت نظرك في تصريح الوزارة عبارة ''قائمة سوداء''؟ وإنني أتساءل: أليس في لغتنا العربية عبارة تناسب الحدث أكثر قبولا وأقل تجريحا من عبارة ''قائمة سوداء''؟ يبدو أن وزارة العمل لا تدري من تخاطب! فمن يقرأ التصريح يظن أنه موجه لمروجي المخدرات، أو لإرهابيين دخلوا البلاد في حين غفلة من رجال الأمن، أو أنه موجه لطابور خامس يتبع دولة شرقية أو غربية، لكن عندما تتضح الصورة تجد الخطاب موجها لمواطنين، مخلصين، صابرين، طموحين، محبين لوطنهم وموالين لقيادتهم، فهل من حقهم عليكم أن تضعوهم في القائمة السوداء لمجرد أنكم عجزتم عن توفير وظائف تليق بطموحهم وتلبي تطلعاتهم؟ 2. ماذا تقصد الوزارة بعبارة ''وظيفة لائقة''؟ هل وظيفة حارس أمن تعين عليها مواطن يحمل البكالوريوس في الشريعة أو الماجستير في إدارة الأعمال في إحدى الشركات في منطقة نائية .. هل تعتبر هذه وظيفة لائقة؟ نريد من الوزارة أن تحدد لنا معايير الوظيفة اللائقة، وكيف يتم قياس ذلك، وهل لدى الوزارة تصنيف معتمد للوظائف يميز ما بين اللائقة والوضيعة؟ 3. السؤال الذي نريد أن نتأكد منه هو: هل ثبت للوزارة أن هناك مواطنا لا يرغب في العمل؟ تقول الوزارة إنها سنتشر قائمة سوداء للمواطنين الذين عرضت عليهم فرصا وظيفية استثنائية وخدمات مجانية إضافية من تدريب وتمويل لكنهم لم يحافظوا عليها ولم يقبلوا بها. أما كان من الأجدر أن تسأل الوزارة نفسها عن سبب رفض المواطنين تلك الوظائف؟ لماذا لم تراجع الوزارة برامجها فقد يكون التمويل غير مجز أو التدريب غير مرض أو الوظيفة غير مناسبة؟ هل ترى الوزارة أن وظيفة ''كاشير'' براتب شهري لا يتجاوز ألفي ريال لمواطن يحمل مؤهلا جامعيا في اللغة العربية أو الهندسة الكهربائية تعتبر وظيفة تستحق المحافظة عليها؟ 4. ماذا تقصد الوزارة بتنقل المواطن في مواقع عمل كثيرة لأسباب غير مقنعة. وماذا تعني عبارة غير مقنعة؟ ومن الذي يحدد درجة القناعة؟ هل هي الوزارة؟ أم القطاع الخاص؟ أم الرأي العام؟ عندما يتنقل المواطن من وظيفة حارس أمن في شركة مفلسة براتب شهري قدره 1500 ريال إلى موظف استقبال في فندق براتب قدره ألفا ريال هل يعد هذا سببا مقنعا في نظر وزارة العمل؟ أم كان من الأفضل له أن يبقى حارس أمن حتى ينبى عوده وينحني ظهره؟ 5. ألا تعلم وزارة العمل - وهي التي تمدنا بالمعلومات عن البطالة- أن نحو 80 في المائة من العاطلين عن العمل جامعيون، فهل هؤلاء جميعهم غير جادين؟ وهل توافرت لهم وظائف لائقة - حسب تعبير الوزارة - وزهدوا فيها، أم أن المعضلة تكمن في نوعية الوظائف التي تقدمها الوزارة والتي لا تناسب السواد الأعظم من طالبي العمل؟ هذه بعض التساؤلات التي تكونت في ذهني عندما اطلعت على تصريح الوزارة، وكنت أتمنى أن تستبدله بطرح حلول منطقية وآليات عملية قابلة للتطبيق، فهؤلاء أبناؤنا ولهم الحق في العمل سواء أكانوا جادين أم غير جادين، مترددين في قبول العمل أم مقتنعين به، فالوظيفة حق مكتسب لا يساومهم فيه أحد، وإن كانوا غير مؤهلين، كما تصفهم الوزارة، فهناك جهات حكومية وغير حكومية ومؤسسات تعليمية كان لها الدور الأبرز في تكوين شخصيتهم وإعدادهم. ما كان بودي أن تتسرع الوزارة وترمي بمثل هذا التصريح الأبتر في الصحف، فقد كشف لنا إفلاسها في التعامل مع معضلة البطالة وأن ليس لديها أي استراتيجية للقضاء عليها. كما أن أحدا لم يطلب منها تصريحا يثبت جودة برامجها، لذا فالصمت في مثل هذه الأمور منجاة. كما يجب أن تعلم الوزارة أن جميع وظائفها المقدمة للسعوديين غير لائقة بالفعل ولو أنها كذلك لوجدنا أبناء أحد مسؤوليها يعمل موظف استقبال، أو حارس أمن، أو بائعا في سوق الخضراوات. ونريد أن نختم فنقول: إذا أرادت وزارة العمل أن تصل إلى حلول منطقية للقضاء على البطالة فلينظر مسؤولوها: هل يرضى الوظائف المعروضة لأحد أبنائه وفقا لمؤهلاته وقدراته؟ نقلا عن الاقثصادية