تطورت وسائل إدارة المنظمات في العالم تطورا هائلا، يتبع التطور في القطاع الخاص. وسائل الإدارة الفردية، والمستبدة أصبحت من الماضي البئيس. التطور في وسائل الإدارة الحديثة يتبع تطورا في التركيبة الفكرية البشرية، وارتفاع في حاجاتهم للمشاركة في صنع القرار، والعدالة في الحصول على الفرص المتكافئة. أسلوب فرض القرارات وإرسالها في اتجاه واحد، لم يعد مناسبا ألبتة، خصوصا في التعامل مع مؤسسات التعليم العالي. أصبحت الحاجة ماسة إلي اللجوء إلي أساليب وممارسات الإدارة الرشيدة، والتي تقابل في المفهوم والممارسات ما يعرف ب ''حوكمة الشركات''، مع إجراء بعض التغيرات التي تناسب الحال. الأحداث التي شهدتها جامعات سعودية خلال هذا العام بدءا بموضوع القبول في جامعة أم القرى، والسنة التحضيرية بجامعة الملك سعود، وانتهاء بحنق شامل في جامعة الملك خالد، تنبئ بوجود خلل في أسلوب إدارة مؤسسات التعليم العالي، والتي تعد نبراسا ينير الكون من حوله. الإدارة الرشيدة هي الضد تماما للإدارة التقليدية، الإدارة التي تتبنى أسلوب ''ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد''. الإدارة الرشيدة تراعي مصالح الأطراف كافة Stakeholder group من خلال ضمان الاستقلال والفصل بين الوظائف، ووجود الأنظمة والإجراءات المكتوبة، وتوظيف مؤشرات قياس الأداء للحصول على التغذية المرتجعة، بشفافية في كل ما سبق. هذه المتطلبات ضمن الإطار العام لحوكمة القطاع العام والذي يسعى إلى حماية حقوق الأطراف المستفيدة كافة، وضمان المعاملة العادلة للمستفيدين، والحرص على تحقيق مستويات عليا من الإفصاح والشفافية، وضمان تحقيق وعدالة مسؤوليات اللجان العاملة في الإدارة. هذه المتطلبات والمهام يمكن أن تحاكي التعاريف المتبعة في حوكمة الشركات من ناحية أن الإدارة الرشيدة في مؤسسات التعليم العالي أيضا يجب أن تغطي الآليات الداخلية والخارجية للمؤسسة التعليمية. الآليات الداخلية تركز على تشكيل مجالس صناع القرار، نوعية الأعضاء المشاركين وطرق اختيارهم، إضافة إلي أنظمة الرقابة والتحقق الداخلية ووسائل حفز ورفع الأداء. أما الآليات الخارجية فتشمل العلاقات بين المؤسسات التعليمية والمجتمع الخارجي، والمستفيدين منها، إضافة إلى دور مؤسسات المجتمع المدني والجهات الرقابية في مراقبة أداء وضمان عدالة وشفافية الإجراءات الداخلية وفقا للأنظمة والتشريعات التي تصدرها جهات الاختصاص في هذا الشأن. كيف يمكن أن تطبق هذه الإصلاحات، الأمر ليس بالصعب مع وجود الرغبة الصادقة في التحسين. فالجامعات تزخر بالكفاءات المتميزة والتي تنتظر الفرصة للإبداع وتقديم ما لديها، من خلال منح الفرصة للجميع دون أن تسلب منهم إراداتهم، وبمشاركة من الأطراف كافة المستفيدة والتي من أهمها الطلاب والطالبات والمجتمع. وحيث إن هذا الأمر يعد مشروعا استراتيجيا لدعم وتطور جهاز التعليم العالي بالكامل، فيجب أن ينبع من داخل هذه المؤسسات نفسها، وأن تبدأ في الدعوة لإقامة مؤتمرات متخصصة، وورش عمل لتحديث وتطوير سياسات الحكم الرشيد في القطاع الخدمي العام ''الجامعي''، والذي سيُلقي بظلال تطويره على نفع وفائدة المجتمع بأكمله. فمراكز العلم والمعرفة يجب ألا تكون مدافن للطاقات والإبداع نقلا عن الاقتصادية