عندما تتحدث عن مجتمع أي مجتمع لا بد من البحث عن الافكار وأنماط الحياة التي تحركها هذه الافكار وتعمل على بلورتها وترجمتها الى مشاريع وخطط وأعمال ووجود منتج على الأرض هو المقياس الحقيقي لمدى عمق الافكار التي تطرح في هذا المجتمع أو مدى هشاشة وسطحية هذه الأفكار. والناظر للحياة الثقافية في بلادنا على مدى سنوات طويلة سوف يجد نفسه أمام حالات من السجال والجدال حول قضايا أو مسائل نقدية أو ثقافية ما تلبث أن تتحول من نقطة الحراك إلى نقطة العراك من الحوار الذي كان من الممكن تعميقه وتجذيره وباتجاه بناء لغة فكرية وفلسفية إلى انجراف هذا الحوار إلى السباب والشتائم وشخصنة القضية أو المسألة والسقوط في الخطاب الإنشائي والمجاني. أو أن يتحول منتدى ثقافي مثل ملتقى المثقفين السعوديين الثاني الذي عقد مؤخرا في الرياض والذي كانت محاوره وأوراق العمل فيه تدور حول استراتيجية وزارة الثقافة والاعلام الى مجرد ملتقى للخزي والعار كما شاء البعض أن يسميه وهكذا يتم اختزال واختصار الثقافة والمعرفة الى افكار صغيرة وعابرة وهامشية وهو ما يدل على ان العقول التي تدعي انها عقول منتجة للمعرفة هي عقول صغيرة وليست عقولا كبيرة ذلك أن العقل الكبير غالبا ودائما ما ينتج افكارا كبيرة ومنتجا كبيرا في حقول الثقافة والفكر والإبداع. من هنا ينبغي القول إن الثقافة ليست بحثا عن خصومات وإثارة غبار ومجرد بروز في الواجهة دون ان يكون هناك وعي حقيقي يؤسس لبناء حالة ثقافية وفكرية ومعرفية وإبداعية تعكس واقع الحال في هذا المجتمع، ذلك أن بناء المجتمعات مجمل من الافكار والرؤى والمشاريع الفكرية والمعرفية تساهم وتبني المجتمع على المستوى الحضاري وليس حروبا ومعارك، ذلك أن وجود الفكر النقدي بالمعنى العميق لهذا الفكر سوف يظل غائبا طالما ظلت حواراتنا ونقاشاتنا تدور حول الهامش والسطحي وليس العميق والجذري في المعرفة. لتكن الثقافة في بلادنا حراكا لا عراكا لتكن ثقافة الاسئلة الكبيرة والعقول الكبيرة التي تنتج الافكار الكبيرة لا ثقافة العقول الصغيرة التي تنتج الافكار الصغيرة. قلا عن عكاظ