انفجرت فقاعة سوق الأسهم السعودية في عام 2006 وخسرت ملايين الأسر جزءا كبيرا من ثرواتها، بعد عمليات تلاعب ونصب واسعة ومنظمة استمرت سنوات عدة. وقد اتجهت أصابع الاتهام إلى المضاربين أفرادا ومجموعات، والذين نظموا وبطريقة متناسقة عمليات تلاعب واسعة في سوق الأسهم، كما استخدموا وسائل احتيال ونصب متعددة ومتنوعة أقلها نشر أخبار كاذبة ومضللة، التآمر في رفع وخفض أسعار الأسهم، واستغلال الصلاحيات والمعلومات الداخلية للسوق المالية والشركات، وتدليس الحقائق والبيانات المالية للشركات المساهمة. وقد أدى هذا إلى التغرير بأغلبية المساهمين وكبّدهم خسائر فادحة قادت إلى إفلاس الكثير منهم. ومن المؤسف أنه لم يتم خلال الفترة التي تلت تهاوي سوق الأسهم إجراء أي تحقيق أو توجيه أي تهم للمتورطين الرئيسين في الكارثة المالية التي حدثت في سوق الأسهم السعودية، والتي كادت أن تقود إلى كارثة اقتصادية لولا فضل الله على هذا البلد وتحسن أسعار النفط والذي أنقذها من كارثة اقتصادية محققة. ومن الغريب أن الكارثة المالية التي حدثت بسبب انهيار سوق الأسهم السعودية سبقت الأزمة المالية العالمية بسنتين ونصف، ولهذا لم تشعر البلاد بالأزمة المالية العالمية؛ لأنها مرت بأزمة مالية أشد، وقد يكون لتوقيت حدوث أزمة الأسهم قبل الأزمة المالية العالمية من نعم الله علينا، فلو تزامن حدوث كارثة الأسهم مع الأزمة المالية العالمية لكان وقعها أشد وتأثيرها أقوى. وعلى الرغم من المعاناة التي مر بها الكثير من المتداولين في سوق الأسهم إلا أنه لوحظ في الآونة الأخيرة عودة بعض أساليب التحايل والتضليل التي كانت منتشرة في سوق الأسهم قبيل انهيار السوق المالية في بداية عام 2006. فكثير من شركات التأمين الخاسرة تشهد تقلبات حادة وترتفع وتنخفض بنسب قصوى في فترة قصيرة ودون أسباب واضحة؛ ما يشير إلى عودة التلاعب المنظم في سوق الأسهم. ولعل تقلبات سعر سهم شركة بروج للتأمين من أبرز الأمثلة على عودة التلاعب المنظم بالأسهم، حيث ارتفع سعر هذا السهم خلال سبعة أشهر من 19 ريالا للسهم إلى 258 ريالا، على الرغم من معاناة الشركة من خسائر في أعماليها وانخفاض حقوق مساهميها بأكثر من 20 في المائة خلال ثلاث سنوات. وقد عاد سعر سهم الشركة للانخفاض بعد أن حصد المتحايلون ثمن تلاعبهم ولم يتم حتى الآن إجراء أي تحقيق أو توجيه أي تهم لأحد بعد التعاملات المشبوهة على هذا السهم. وشهدت العديد من أسهم التأمين الأخرى تلاعبا واضحا في أسعارها. ولم يقتصر التلاعب على شركات التأمين، بل انتشر إلى شركات أخرى فهذه شركة الشرقية للتنمية ترتفع بأربعة أضعاف خلال فترة وجيزة دون أي أسباب واضحة، ومن المتوقع توسع هذه الموجة إلى المزيد من الشركات. إن سلبية هيئة السوق المالية والجهات الرقابية الأخرى تجاه التلاعب الواضح من قبل المضاربين المتسببين في انهيار الأسهم في عام 2006، قد شجعت المتحايلين على العودة إلى التلاعب بالسوق المالية هذه الأيام (وقد يدخل ضمنهم بعض كبار المساهمين). وما لم تتخذ إجراءات صارمة للحد من التلاعب في سوق الأسهم، فإنها ستتخلى عن دورها الأساسي المتمثل بتشجيع الادخار والاستثمار في الأصول الحقيقية والمساهمة في دفع عجلة النمو المولد للوظائف، وتتحول إلى كازينو قانوني أو سوق للقمار فقط! لقد أدى انهيار سوق الأسهم في عام 2006 إلى خروج ملايين الأسر من سوق الأسهم؛ ما خفض مستويات ادخار واستثمار الأسر المحلي. ونتج من هذا خسارة موارد مالية هائلة كان من الممكن توظيفها بتنمية القطاعات الاقتصادية كافة ورفع مستويات توظيف العمالة. ويحاول المقامرون والمتحايلون في سوق الأسهم إعادة الكرّة مرة أخرى وجني أرباح سريعة على حساب من تبقى في سوق الأسهم، ولو نجحوا هذه المرة فسيتقلص عدد المستثمرين بصورة أكبر وتخسر السوق المالية ثقة ما بقي من المستثمرين وتخسر المزيد من الموارد المالية. وتتحمل هيئة سوق المال مسؤولية التصدي للاحتيال المنظم الذي يتم في السوق المالية وعليها تطوير أدواتها لكشف أساليب المضاربين الملتوية. كما ينبغي على الهيئة وجميع الجهات الرسمية القانونية والتنفيذية ذات العلاقة رد حقوق المساهمين الذين وقعوا ضحايا لعمليات الاحتيال المنظم من قبل المضاربين بأقصى سرعة ممكنة، كما ينبغي تفعيل وتشديد العقوبات على المتلاعبين بسوق الأسهم بغض النظر عن مكانتهم ومراكزهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو الحكومية. ويتحمل المساهمون العاديون جزءا كبيرا من المسؤولية، حيث ينبغي عليهم الابتعاد عن الدخول في المضاربات المنظمة؛ لأنهم المستهدفون من هذه المضاربات، وسيتحملون الخسارة التي تنتج منها حتى لو بدت مغرية في بعض الأوقات. وسيسهم تغيير بعض أنظمة سوق المال في الحد من التلاعب بالأسهم. فلو فتحت نسبة الحدود اليومية القصوى لتذبذب أسعار الأسهم (بدلا من 10 في المائة المستخدمة حاليا)، لانكشفت المخاطر الحقيقية للمضاربة ولقضى المضاربون على بعضهم بعضا، ولأحجم الكثير من المساهمين غير المنظمين من الدخول في المضاربات خوفا من المخاطر العالية. وتحديد نسبة 10 في المائة كحد أقصى لتذبذب سعر السهم لم يقلص مخاطر انهيار الأسهم، بل مكّن المضاربين من إيهام المتعاملين بوجود حماية وهمية من الانهيارات المالية وسهلت لهم عمليات التلاعب بأسعار الأسهم. وفتح نسبة تغير أسعار أسهم الشركات لا يعني بالضرورة فتح هذه النسبة للسوق ككل، حيث يمكن الإبقاء على النسبة القصوى لتغير السوق ككل عند 10 في المائة؛ وذلك لوقف نشاط السوق في حالات الفزع أو الانهيارات المالية المفاجئة. نقلا عن الاقتصادية