هي القضايا نفسها التي كنا نكتب عنها بحبر القلم منذ عشرين عاماً. تطوّرت التقنية ودخلنا عصر الاتصال الفضائي وصرنا الآن نكتب عن القضية نفسها لكن بضربات سريعة على «الكيبورد». كنا نرسل المقال عبر الفاكس في دقيقة، والآن نرسله عبر البريد الإلكتروني في ثانية، كان من يقرأ المقال هم المواطنون المحليون من قراء الصحيفة نفسها، والآن تتخاطف المقال مواقع الشبكة والتواصل الإلكترونية ويقرأه القاصي والداني في أنحاء العالم ويترجم إلى لغات عدة، وصرنا نشتهر بهذه القضايا الغريبة: واحدة من هذه القضايا اسمها تأنيث محال بيع الملابس الداخلية، أي إحلال بائعات نساء محل بائعين ذكور في عملية بيع سراويل ومشدّات صدر وقمصان نوم، وهذا توضيح لمن يجهل ماذا يبيعون في هذه المحال. قامت حملة نسائية شعارها «كفاية إحراجاً» لإفهام الرأي العام أن المسألة محرجة، وترافع الإعلام أمام الرأي العام وأمام المسؤول. وتم بحمد الله عام 2004 صدور قرار تأنيث باعة محال الملابس الداخلية، لكنه لم يطبق بل اعتبر قراراً وراءه عمل ليبرالي شيطاني. من المفارقة الساخرة أن هاجمت القرار منابر المساجد ورعاة التيار الديني المتشدد، والمفارقة الشديدة السخرية أن من ينادون بحفظ كرامة النساء والتشديد على صون عفتهن وعزلهن عن الرجال هم من وقفوا في وجه أن تبيع امرأة لامرأة لباسها الداخلي وإبقاء الرجال داخل هذه المحال. بقيت الحال كما هي على رغم صدور القرار، لا يزال الرجل يمد للمرأة لباسها ويرشدها لمقاسها الصحيح، وإن اصطحبت زوجها فإنها تزيد الطين بلة وتضعه هو الآخر في محل لا يجب أن يوجد فيه. هل بظنكم أنها مجرد قضية بيع ملابس داخلية وتوظيف نساء محل رجال؟ تأجل تنفيذ القرار سبع سنوات، وعندما أراد وزير العمل اليوم أن يدفع به إلى حيّز التنفيذ حرّك المعطلون القضية من جديد، وعادوا يرفعون قضية ضد الوزير أمام ديوان المظالم، على اعتبار أن تنفيذ القرار باطل وتعطيله حق، لأنهم يخافون على سوق تبلغ 16.6 في المئة من إجمالي سوق الملابس النسائية ودخلها يجاوز البليون ونصف البليون؟ يحاول الطرفان، الوزارة والتجّار، اللعب على المسألة الاقتصادية لتبرير المسألة أمام الرأي العام: الوزارة تزعم أن هذا القرار سيحل جزءاً من مشكلة البطالة. مليون امرأة تقدمن لوزارة العمل عاطلات من العمل ويطالبن بتأمين «حافز»، والتجار يردون بأن هذا القرار لن يحل المشكلة ولا يحزنون، «فبعض» البائعات سيكنَّ غير مواطنات؟ هكذا، القصة تناقش بكل بساطة في مجتمع عرف عنه محافظته الشديدة إن لم نقل تشدده في ما يخص قضايا النساء. هل نقول لهؤلاء: انتبه لقد وقع منك شيء مهم، وقع منك شيء اسمه الحياء والذوق والأدب التي يحترمها حتى الغرب الكافر السافر كما يصفه بعض ممانعي القرار، فما دخلت محلاً لبيع ملابس نسائية في الغرب ووجدت رجلاً يبيع للنساء ثيابهن الداخلية. لو كنا نحن من دافعنا عن بقاء الرجال في محال بيع الملابس الداخلية لاتهمونا بقلة الدين وإفساد المجتمع ونزع الحياء منه. إن قضية تعطيل بيع الملابس الداخلية وإبقاءها في يد باعة رجال هي قضية تكشف أن من يستخدم الدين حجة لحماية الأخلاق لا يخدم الأخلاق حقيقة، وأنه هذه المرة، مثلما في مرات سابقة، يضعه في خدمة التاجر وآخرين طبعاً. نقلا عن الحياة السعودية ا