من يشاهد بعض الوعاظ الذين يقتصر عملهم على الظهور على الفضائيات ، لا بد وأن يقول بأن أقصر الطرق إلى الإثراء السريع هي امتهان الوعظ الديني . المسألة لا تحتاج إلى مجهود كبير أو علم وافر غزير ، كل ما هومطلوب منك هو ان تتمتع بحضور جذاب يمكن أن تكتسبه من القراءة في علم البرمجة العصبية اللغوية ، ثم تحفظ بعد ذلك بعض القصص التراثية ، وتقرأ في التاريخ والسيرة ، ثم تتحدث في كل شيء وأي شيء باسم الدين حتى ولو كانت وجهة نظرك شاذة وتنضح بالجهل والتعصب ، وتصطدم مع الحقائق العلمية ، وتتناقض مع أبسط أصول المنطق والتفكير السليم ، بل والفطرة السوية نفسها ( أحدهم قال بأن العلم للرجال فقط ، وأحدهم قال بأن الأب قد يُفتن بابنته لذا يجب عليها ان تتستر امامه ، وثالث طالب بعدم دخول الشيعة إلى الأراضي المقدسة ، ورابع أكد على أن حلق اللحية يؤدي إلى الضعف الجنسي .. إلخ إلخ ) . بعض هؤلاء الوعاظ يتم احتكارهم من بعض الفضائيات التجارية وبالذات خلال شهر رمضان المبارك ، وبعضهم تراه يتنقل بين العديد من القنوات ومواقع التصوير التي تتناثر في مجموعة من الأقطار المتباعدة نسبيا . وقد تشاهد الواحد من هؤلاء في اليوم الواحد عبر اكثر من خمس أو ست شاشات مختلفة ، فتستغرب من منافسته للممثلين في ساعات التواجد داخل الاستوديوهات التلفزيونية بعيدا عن القراءة أو الكتابة التي يفترض أن يخصص لها العلماء وطلبة العلم ، جل وقتهم ومجهودهم . المؤسف فعلا أن برامج الوعاظ التي تكاد تكون خالية من المادة العلمية المهمة أو الفكر العميق أو اللمحات الملفتة ، طغت حتى على الدروس والمحاضرات المصورة لبعض العلماء الكبار من أمثال الغزالي والشعراوي وغيرهم . وهذا مؤشر خطير يدل على سيطرة النزعة التجارية المحضة على معظم البرامج والقنوات الدينية المتخصصة . ولعل الأسوأ من كل ما سبق هو استخدام التقنية الحديثة ومن ضمنها الهاتف الجوال للاشتراك في خدمات ( مدفوعة الثمن) مخصصة للأدعية والنصح والرد على الأسئلة ومتابعة اخبار بعض نجوم الوعظ الديني ! إنه السوق الأحدث في بلادنا . نقلا عن المدينة