استغربت للغضبة التي صاحبت إحدى حلقات طاش لتخطئتها فيما جاء في تلك الحلقة من مفاهيم فقهية للربا (وهي المفاهيم الفقهية السابقة لأوضاعنا المعيشية الراهنة) بينما واقعنا الحياتي اليوم يضج بالصور الربوية المسكوت عنها والتي هي بحاجة إلى وقفة رفض كونها تطوق الأعناق وتخنق الناس، فمعظمنا معلق من عرقوبه، وتعليقنا ليس كتعليق أخيل التي تقول عنه الأسطورة أنه غمس في مياه الخلد وأثناء غمسه كان معلقا من عرقوبه الذي لم يغمس فأصبح عرقوبه نقطة ضعفه الوحيدة. ونقطة ضعفنا الوحيدة نمط الحياة وارتفاع الأسعار والاحتياج للضروريات، وبالتالي تحولنا جميعا إلى ضيوف في نطع أو مقصلة الشركات والبنوك و...و...و... وبسبب قلة أو ندرة أو انعدام القرض الحسن لم يعد أمام المحتاج من سبل لقضاء حاجته إلا طريقان: الطريق الأول وهو البعيد عن الشبهة: أن يأخذ سلعة كسيارة بزيادة عن سعرها الأساسي مقابل الدفع المؤجل (أو ما يعرف بالتقسيط). ومن ثم يبيعها بخسارة، (نعيد تاني) لو فرضنا أن رجلا يحتاج مبلغ 50 ألف ريال فإنه سوف يشتري سيارة بمبلغ 65 ألف ريال بالتقسيط مع أن ثمنها يصل إلى 50 ألف ريال، ويقوم ببيع هذه السيارة بمبلغ 45 ألف ويكون إجمالي خسارته 50 ألف ريال. بينما لو انتقل للطريقة الأخرى التي يستطيع من خلالها قضاء حاجته فإنه سيقترض من البنك ال50 ألف ب45 ألف ويكون خسر خمسة آلاف ريال فقط. ومن معرفتي الضحلة أعرف أن تحريم الربا جاء كي لا يستغل المالك للمال حاجة أخيه المسلم بالزيادة التي تتحول إلى قيد تحيل حياة المقترض إلى مأساة. والسؤال هو لماذا لا تربح الشركات المقرضة للسلع ربحا معقولا دون أن تتعسف في استخدام حقها الشرعي وترهق الناس بزيادات مضاعفة (أو ليس هذه صورة من صور البيع ومحللة وهي في نفس الوقت استغلال كامل لحاجة الناس كما هي ماهية الربا؟).. والسؤال لماذا لم ترفض هذه المعاملات كونها غمطا وتعسفا واستغلالا لحاجة الناس؟ ولأنه ليس هناك مواطن ينتمي للطبقة الوسطى أو مادونها إلا وهو غارق في ديون يتم اجتزاؤها من راتبه، فالذين يستلمون عشرة آلاف في أوراق المسيرات هم يتقاضون الثلاثة أو الألفين بسبب تلك الديون وهي ديون طويلة تكون فوائدها مضاعفة من خلال عدم معرفة الناس بالحيل المتبعة سواء من البنوك أو الشركات، وبسبب هذا التعليق الجماعي كان من المفترض خروج معارضين فقهيا لما يحدث من استغلال مركب لحاجة الناس وكشف الممارسات الربوية التي تحدث تحت غطاء تحليلها فقهيا.. وهذا هو الحق الذي يجب أن يتبع بدلا من اعتراض على خطأ يمثل في مسلسل بينما مايحدث في الواقع هو خطأ يمارس على رؤوسنا. نقلا عن عكاظ