لعلّ من أبرز مظاهر (مساوئ) التهاني الالكترونيّة في هذا العصر أنّك ما عدت تراعي طريقة وأسلوب تواصلك مع الآخرين، حتى إنّك أصبحت تتراسل مع من تربطك بهم صلة دم أو خفقة قلب أو توأمة عقل ببطاقة بريد إلكتروني مزخرفة الشكل نمطيّة المضمون، أو قد تكتفي مثل أكثرنا بانتقاء رسالة جوال "مثلّجة"ومن ثم إرسالها في نصها الجاف لتصل لمرسلها جامدة سمجة مهما حاولت أن تبعث فيها نبض المشاعر الحية. والمشكلة أن هذه الرسائل (القوالب) أصبحت تؤدي عنك مهمّة كانت مبجلة في عصر المشاعر الطبيعية حينما كنت تكتب بقلمك لأحبابك، وتزور أقاربك على قدميك وتتحدث مع من تود بعبارات يستلذ بها لسانك. والنتيجة أنك وسط موجات التهاني الالكترونية غير مضطر لقراءة كل ما يرد إليك، ولست مجبرا حتى على الإجابة إلا على من تخشاه أو ترجوه في لعبة المصالح وعصر الماديات. وفي هذا السياق سترى الكثير من عجائب رسائل الجوال والبريد الالكتروني فلا تعتب ولا تحزن إذ ستجد بعض أحبابك وقد أعادوا إليك تحويل رسالة تهنئة أو بطاقة معايدة وهي على حالها موقعة باسم شخص تعرفه وربما لا تعرفه، وقد تكون رسالتك أنت عائدة إليك. وبين الرسائل ستجد مرسلًا حسن النية قد استنسخ عبارات طويلة من كتب الآثار وحكم أوراق التقويم وهو يعلم كما تعلم انك لن تقرأ سوى أول سطر فيها ثم تشتكي متبرما من طول الرسالة. وفي التهنئة الالكترونية يمكنك أن تضع عبارتك الباردة، وما عليك إلا اختيار وضع إرسال للكل من قائمة الأسماء في جوالك. ولا تستغرب حين تراجع أسماء من أرسلت لهم حين تجد في القائمة أسماء بعض من اختاره الله إلى جواره ولم تعزّ أحبابه، أو طريح مستشفى لا تعلم عنه. وربما يكون بين من أرسلتَ لهم تهاني رمضان حتما أسماء مثل "كارلوس" الفلبيني الحلاق أو "جنقير" "السباك" الذي اضطررت للتعامل معه طوال ليلة سوداء إثر كارثة السيول التي مات الاهتمام بكوارثها لأننا لن نراها إلا في شتاء المطر القادم. ويا صديقي لا تعجب بعد أن تنتهي من مهمتك الالكترونية حينما يأتيك اتصال أو رسالة تسأل من أنت ثم تجيبه وأنت من أنت لأن رسالتك الالكترونية أطلقها الجوال ولم تطلقها المشاعر، ومستقبلو رسالتك يعيشون حالا مثل حالك الالكترونية. ولعل من مآسي يوم العيد الالكتروني أن تجد من يتصل بك بعيد صلاة العيد للتهنئة بطهارة نيّة فتجدك تعجب وتحوقل " وش يبي ذا" لأنك لم تعتد أن ترد أو تسمع صوت محب اهتبل فرصة العيد ليقتحم عزلتك الالكترونية فقد عوّدتك رسائل التهاني الباردة على التخفي وراء شاشة الجوال وضجيج رناته. نقلا عن الرياض