في ساحة السياسة الكل يبحث عن أدوار، والكل يبحث عن موقف، قد تبدو هذه الأدوار ملتبسة ومخادعة ومراوغة في كثير من الأحيان وقد تبدو جلية وواضحة في قليل منها، أما المواقف فإنها تترجح بين ضرورة المعالجة وانتقائها، بين أهمية بروز هذه المواقف أو عدم أهميتها وثمة ألاعيب في ساحة السياسة وثمة لاعبين أيضا. وفي السياسة العربية هناك من يملكون القرار وهناك من يروجون لهذا القرار بحق وبغير حق، ثمة أتباع ومريدون، وهؤلاء الأتباع منتشرون في الإعلام العربي وبكثرة وكلهم يدعي أنه الأفهم والأعمق والأدرى غير أن اللافت في وسط هذه الأحداث المفصلية التي تمر بها الأمة العربية هو انتقال العرب من مرحلة الثبات إلى مرحلة التحول، من مجتمعات الشيخوخة السياسية والاجتماعية إلى مجتمعات تصنع الأجيال الجديدة فيها كتابة عصر عربي جديد بفكر جديد وبذهنية جديدة. وبالرغم من أن هذه الثورات العربية تبحث اليوم عن أفق جديد وعن رؤية ووحدة رأي وهدف وضياع البوصلة التي تؤدي إلى المستقبل وفي وجود النوايا الحسنة للتغيير والتطوير وسط هذه الأحداث يوجد الانتهازيون والمتسلقون والوصوليون الذين بين ليلة وضحاها بدلوا مواقعهم ولونوا مواقفهم والذي يتابع اليوم المشهد المصري السياسي والإعلامي والثقافي سوف يجد أن هناك من انتقلوا من ضفة إلى ضفة ومن خطاب إلى خطاب ليسوا هم أولئك الذين كانوا قبل ثورة 25 يناير وبالمقابل هناك كثير من الشرفاء في المشهد المصري الذين ظلوا متمسكين بمبادئهم وقيمهم الفكرية والسياسية لا يتبدلون ولا يتغيرون وهم أسماء معروفة ومضيئة في الفكر والممارسة فيما يقولون وفيما يفعلون وينتجون ويبدعون. إن كثيرا من الكتاب وبعض رؤساء التحرير من هم اليوم رموز للسقوط الثقافي هؤلاء الذين مارسوا بالأمس ثقافة التزوير والخداع.. والضحك على الجماهير وكتابة التاريخ بلغة مراوغة ومخادعة وبعيدة عن الحقيقة. إن متابعة أخرى في الضفة الأخرى من المشهد السياسي العربي سوف نجد جملة من الكتاب والإعلاميين يطلون يوميا من الفضائيات العربية يقدمون وجبات سياسية سامة أولئك هم تجار السياسة هؤلاء الذين يعملون لصالح هذه الدولة أو هذا الحزب ويروجون للرديء من الفكر السياسي.. ومثال ذلك «قناة العالم».. حيث تغيب المهنية الإعلامية والمصداقية والمعلومة بل لا نرى إلا السطحية والسقم في التناول والمعالجة. إن أغلب من يتحدثون ويعلقون على الأحداث السياسية في الفضائيات العربية لا ينحازون إلى التفكير العلمي في التحليل السياسي ولا يقدمون وعيا عميقا في الأحداث الراهنة ولكنهم مجموعة من المعلقين وليسوا أصحاب رؤية مستقبلية في الفكر السياسي، إنهم منحازون سياسيا وأصحاب انتماءات معروفة ومكشوفة من قومية مبتذلة وإسلامية متطرفة إلى الانتماءات الأيدولوجية المغلفة بغطاء سياسي ومذهبي. وها هم المحسوبون على إيران وسورية وحزب الله يشتمون ويلعنون ولا يحللون ويشخصون الحالة العربية على ضوء الثورات العربية، إنهم فقط مسكونون بنظرية المؤامرة وزج أمريكا والغرب في كل شيء ومحاولة صناعة عدو خصم بالضرورة دون الوعي بأن هذه الثورات العربية هي نتيجة احتقان سياسي واحتياج اقتصادي وبحث عن أفق جديد في الحرية والديموقراطية والاتجاه نحو بناء الدولة المدنية والحديثة. إن ما يحدث في العالم العربي يحتاج إلى فكر سياسي يقرأ الجذور الأولى التي أفضت إلى هذه الثورات وهذه التحولات الضخمة والكبيرة والاحتياج أيضا إلى بروز لفكر نخبة جديدة في الفكر العربي يشخص الحالة العربية وفشل بعض الدول العربية التي كانت ترفع شعار «وحدة حرية اشتراكية» ولماذا كان الفشل سببا ونتيجة لظهور هذه الوضعية العربية التي آلت إليها بعض الدول العربية بكل تجلياتها السياسية. إننا في حاجة إلى فكر سياسي وفلسلفي واجتماعي ومعرفي يعيد فهم ما يجري ولسنا بحاجة إلى تجار السياسة الذين يطلون علينا عبر الفضائيات العربية وعبر لغة رخيصة لا تتجه لصالح الأمة في راهنها ومستقبلها. نقلا عن عكاظ