كما هو معلوم أن مما حظي باهتمام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في القرارات التي صدرت يوم الجمعة الموافق 13 ربيع الآخر 1432ه العلم الشرعي، حيث أصدر - حفظه الله - قرارا نصه: ''بعون الله تعالى، نحن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية؛ رغبة منا في إنشاء ''مجمع فقهي''، ليكون مُلتقى علمياً تُناقَشُ فيه القضايا والمسائل الفقهية، تحت إشراف هيئة كبار العُلماء.. أمرنا بما هو آت: أولا: تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ووزارة العدل وهيئة الخبراء في مجلس الوزراء بإعداد دراسة بشأن إنشاء مجمع فقهي يُسمى: (المجمع الفقهي السعودي)، واقتراح تنظيمه في ضوء ما أشير إليه أعلاه، وما يستجد من نظر واستطلاع، بشكل عاجل لا يتجاوز خمسة أشهر. ثانيا: يبلغ أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده وتنفيذه. عبد الله بن عبد العزيز''. لا شك أن هذا القرار يضيف الكثير إلى مجال العلوم الشرعية لتأسيس ملتقى لأهل العلم؛ لمناقشة القضايا المختلف فيها عموما، إضافة إلى القضايا التي تلبي احتياج المسلم، والقضايا المستجدة والمعاصرة التي هي محور مثل هذه الملتقيات. كما أنها تؤسس - بحسب القرار - حاضنة لأهل العلم والباحثين في العلوم الشرعية لإعدادهم ليكونوا علماء في المستقبل على أسس علمية رصينة تعزز مركز المملكة وموقعها الريادي في العلوم الشرعية. الحقيقة، أن مسألة إنشاء المجامع الفقهية للمملكة فيها خبرة كبيرة، من خلال تجربة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وآخر تابع لرابطة العالم الإسلامي. وهذان المجمعان لهما جهود كبيرة في تناول القضايا المستجدة على المستوى العالم الإسلامي. والمجمع الفقهي السعودي من الواضح من القرار أن له أهدافا محددة، وهي أن يكون ملتقى علميا شرعيا، واستقطاب الكفاءات وتهيئتها لمناصب علمية أعلى، وتخفيف العبء عن هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء. ومن خلال قراءة الأهداف نجد أن مسألة الاستقطاب برزت بشكل واضح، وهذا يمثل سمة يختلف فيها هذا المجمع نوعا ما عن مجامع فقهية قائمة؛ إذ إنه يسعى إلى تأسيس مدرسة علمية قائمة على تهيئة جيل من الفقهاء، لديهم علم شرعي على أسس رصينة، وعلى وعي بالقضايا المعاصرة والمستجدة، بطريقة تعطي تصورا علميا واضحا، ومخرجات من العمل الفقهي الجماعي على منهج علمي وبحثي معتبر. عملية الاستقطاب للكوادر المتميزة أصبحت من الأمور التي تحتاج إلى جهد كبير في هذه المرحلة، خصوصا فيما يتعلق بخريجي العلوم الشرعية، حيث إن هناك جهات متعددة تتنافس على هؤلاء الخريجين في المملكة. مثل مجلس القضاء الأعلى، والجامعات، وهيئة التحقيق والادعاء العام، وكثير من الوظائف في الوزارات الحكومية، إضافة إلى فرص كبيرة في القطاع الخاص مثل إدارات المصرفية الإسلامية والمجموعة الشرعية في البنوك، والاستشارات الشرعية والنظامية، وقطاع المحاماة، الذي يُتطلع إلى أن يكون له دور فاعل في المرحلة القادمة بعد التطوير الذي تعمل عليه وزارة العدل. لذلك لا بد أن تأخذ الدراسة التي تقوم عليها وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة العدل وهيئة الخبراء في مجلس الوزراء في الاعتبار، أهمية أن تكون آلية الاستقطاب فاعلة لتحقيق أهدافها. حيث إن الشريحة المستهدفة في الاستقطاب هي التي لديها تميز علمي وشغف بالبحث في العلم الشرعي. وعند استقطاب هذه الشريحة لا بد عند وضع خطة الاستقطاب أن تراعى هذه الرغبة التي تجعل للمجمع الفقهي أفضلية على وظائف حوافزها التنافسية عالية مقارنة بعامة الوظائف. ولذلك إضافة إلى الحوافز المادية والمعنوية، لا بد أن يكون هناك عرض لفرص تهيئة البيئة المناسبة لمواصلة التعليم العالي في الجامعات داخل المملكة وخارجها، التي من الممكن أن تركز في بحوثها على القضايا المرتبطة باهتمامات المجمع. كما أنها تعرض فرصا للحضور والمشاركة في الملتقيات العلمية المحلية والدولية، وبرنامجا لتطوير المهارات البحثية. من الأمور المهمة في تحقيق أهداف إنشاء المجمع، الذي قد يكون له أثر في الاستقطاب وتطوير عمل المجمع، إضافة إلى استقطاب الكوادر المتميز، هو وضع استراتيجية للوصول إلى الخبرات أيضا؛ إذ إن من عوامل الارتقاء بعمل المجمع هو الوصول إلى محاضن تخريج الكوادر، وإعداد البحوث، وذلك في الجامعات في المملكة، والأقسام التي تقدم العلوم الشرعية؛ إذ إن إنشاء وحدات بحثية تستهدف مشاركة الخبراء من أعضاء هيئة التدريس والباحثين في الجامعات في المملكة، من شأنه أن يمثل حافزا للمشاركة من قبل الخبراء في العلوم الشرعية والعلوم الأخرى التي يحتاج إليها في القضايا المعاصرة مثل الطب والاقتصاد والعلوم وغيرها، وهذا يتم بشكل أيسر إذا ما تم التعاون مع الجامعات التي يقع على عاتقها مسؤولية خدمة المجتمع بشكل رئيس وفاعل. يضاف إلى ذلك، وهو من الأهمية بمكان، توفير البنية التحتية التي تعين الباحث وتساعده على التركيز بشكل أكبر على إعداد البحث العلمي، وأن يكون له قاعدة بيانات تهيئ للباحثين الوصول إلى المراجع والمعلومات من مختلف مناطق العالم، وأن يكون مقر المجمع مركزا لزيارة الخبراء من مختلف دول العالم، بغرض الاستفادة مما لدى المركز من مصادر، أو لتقديم المحاضرات وورش العمل والاستفادة من خبراتهم في تطوير عمل المجمع. كما من المُقترح أن تكون هناك آلية للقاء دوري مفتوح بطلبة الكليات الشرعية سواء البكالوريوس أو الدراسات العليا بشكل، والاستفادة من آرائهم في البحوث والطريقة المناسبة للاستقطاب. من المهم أيضا في عمل المجمع أن يوجد اهتمام بالترجمة للمخرجات العلمية والبحثية إلى اللغات الحية ولغات دول العالم الإسلامي. الخلاصة، أن إنشاء مجمع فقهي بإشراف هيئة كبار العلماء سيسهم بشكل كبير في تقديم مخرجات علمية متميزة ورصينة، وتحظى بثقة العلماء في مختلف دول العالم، وأن الاستقطاب هو التحدي الأهم لتحقيق أهداف المجمع، وتقديم مخرجات ذات جودة وكفاءة عاليتين. نقلا عن الاقتصادية السعودية