منهج حماية الدين من قبل الدولة أمر لا اختلاف عليه، فالدين الحنيف بما فيه من فروض وواجبات وعبادات لا يمكن أن يخضع للنقد والتفكيك، وذلك تنزيها لدين الله وتقديرا لإيمان الناس بعدم المساس بعقائدهم، كذلك لا إشكال مع حماية علماء الدين لكن ذلك بالتأكيد لا يعني التقديس لذواتهم الشخصية، ولكن يدخل في باب الاحترام لمكانتهم العلمية، وسيظل الاختلاف في العلم الشرعي أمراً محموداً، وألا تكون أقوالهم مقدسة أو منزهة من الخطأ.. لكن الأمر الأهم قبل ذلك إيقاف خلط الديني بالسياسي، وألا يستغل الدين من قبل أي كان من أجل مكاسب سياسية، وأن يتم تجريم التكفير السياسي، وأن يقدم للمحاكمة من يستخدم التكفير من أجل إقصاء آخر، وبعبارة أخرى يجب تطهير الدين من العبث الإنساني، ومن الاختباء خلف الأعراض السياسية والشخصية، كذلك ألا يكون الدين والتدين وسيلة للتعدي على الآخرين والشعور بفوقية وتعالي عن بقية المجتمع. ومن باب الإنصاف يفترض أن يدخل في مبدأ احترام علماء الدين أيضا احترام علماء التخصصات الأخرى وألا يتعرضوا للسب والشتم، لما في ذلك من هدم لمفهوم المواطنة والعدالة والمساواة، على أن يلتزموا بعدم رفع الشعارات الدينية والطائفية وذلك منعا لتسيس الأتباع من خلال استدرار عواطفهم الدينية..، وقد عجبت من بعض القيادات السياسية التي تتحدث عن الطائفية بينما تظهر خلفها صوراً عملاقة لرموز دينية من خارج وطنه.. لكنني أعتقد أن الموقف يجب أن يختلف في نواحي الثقافة والفكر، وأرى أن الدولة يجب ألا تحمي الفكر والثقافة، وأن تتركه عرضة للنقد والبناء والهدم من خلال مساحة التعبير والتفكير الإنساني الحر، لكن عليها أن تحفظ الحقوق الفكرية، لا وضع أطر وحدود وثوابت للفكر، وأعد نفسي من أنصار الفكر اللامنهجي إذ لا يمكن تأطير كيف يفكر الإنسان من خلال منهج له قواعد وأصول بخلاف الدين وأصوله الثابتة، فالمتغير هو فكر الإنسان، والثابت هو أصول الدين وفروضه، وقد يدخل في الأمر بعض المتشابهات والتي كانت في الأساس اجتهاد ديني ليس له أصل في الدين لكن تم التعارف على أنه من الشرع، ومن ذلك أن يتم تحريم أمور دينية مثل قيادة المرأة للسيارة على أنها مسألة شرعية، وفي هذا الاتجاه يكون من حق المجتمع التفكير بصوت عال ضد هذا التحريم غير الشرعي. حرية الفكر بيئة حاضنة للإبداع، ولا يمكن لأمة أن تتجاوز محنتها وتخلفها إلا من خلال إطلاق الحريات والإبداع، فالحركة الإبداعية تحتاج إلى مساحة كبيرة، وفي الأماكن الضيقة تموت الأفكار العظيمة وينطفي إبداع الأمم، وفي تاريخنا القديم حصلت مراحل ذهبية وصل فيها الفكر إلى مراحل متقدمة، لكن عندما استخدمت السلطة صراع الدين والفكر من أجل مصالحها الشخصية سقطت الخلافة في أيدي التطرف، لذلك يجب فصل الثقافة والفكر عن الرسمية، وفك أسرها وتخليصها من المنهجية، ويدخل في ذلك الفنون و والمسرح والقصة و غيرها، ولا أرى في تأسيس جمعيات للفنون أي أثر إيجابي، وأدعو إلى إقفالها حالا، وأن تترك حرية الإبداع الفني والثقافي أمر غير منهجي لا يخضع للتأطير والتنسيق. ماحدث في معرض الكتاب الأخير مثال على مضايقة الفكر وتضييق الخناق على العقل، ويعد تعديا من قبل بعض المحتسبين على مساحة التعبير الطبيعية، وفيه تحريض وعنف على معاداة الفكر الإنساني والثقافة، وإن كنت أرى أنها خلفت انطباعا سيئا ضد هؤلاء الشباب المتحمس، والدليل العدد الهائل لزوار المعرض من الجنسين، و ما يحتاجه المجتمع في الوقت الحاضر أن تكون حرية البحث العلمي والإبداع الفني والثقافي مكفولة للجميع، وألا يكون حق ممارستها محصورا في محمية خارج أسوار المدينة. نقلا عن الجزيرة