يعيش السعوديون "حالة عاطفية" مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لا يمكن تفسيرها وتعليلها بحجم المنافع المادية التي ترجمتها الأوامر الملكية منذ عودة المليك سالماً إلى أرض الوطن. ومن تابع صور تعبير السعوديين عن مشاعرهم مساء الجمعة الماضي، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً، يلحظ طبيعة تلك العاطفة "الإنسانية" الخاصة، فقد عرض التلفزيون نماذج عديدة ومن مناطق مختلفة ومن أعمار متباينة، كلهم يجمعون على هذه العلاقة. ومن الصور المعبرة صورة ذلك الرجل الناضج الذي تحدث بعاطفة جياشة سالت معها دموعه وأقسم إن كلمة الملك عبدلله وطلبه من شعبه الدعاء له أبلغ أثراً في نفسه من كل المليارات التي ستجلب الخير لملايين المواطنين.. ولعل مما يعين على فهم "مفاتيح" هذه العلاقة حديث الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يحفظه الله، وقسمه إن الشعب السعودي في قلبه، فهي لفتة إنسانية تتسق مع هذا "التجاوب" العاطفي بين الملك وأبناء شعبه.. وأي تحليل أو تفسير لالتفاف المواطنين حول قيادتهم يقفز على هذه العلاقة العاطفية أو يتجاوز دلالاتها ولا يعطيها حقها ووزنها من التأثير سيفقد عنصراً مهماً في فهم ما جرى يوم الجمعة الماضي ويوم الجمعة الذي قبله. وإذا حاولنا تلمس بواعث مشاعر الحب المشترك بين قائد وشعبه فإن تعبير القائد عن طموحات وآمال شعبه تأتي في مقدمة تلك البواعث. وبقدر اقتراب القادة من هموم الناس وتطلعاتهم وآمالهم وصدقهم في العمل على تلبيتها و معالجتها وحفظ كرامتهم تكون مشاعر الحب، وتتجلى مظاهرها عمقاً واتساعاً وحرارة.. والإنصاف يلزم المهتمين بالشأن السعودي أن يعترفوا بأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، منذ أن تولى قيادة هذه البلاد، بادر إلى الاهتمام بالناس وتلمس ما يجول في خواطرهم وما يعبر عن طموحاتهم، على مختلف بيئاتهم وتوجهاتهم، والبحث عما يقربهم منه وإيجاد الصيغ والقوالب المساعدة على التعرف على همومهم. ولعل مشروع الحوار الوطني وبرنامج تطوير التعليم والبعثات الخارجية وتوسيع دائرة التعليم العالي من خلال افتتاح عشرات الجامعات وشعار محاربة الفساد وتمكين المرأة وتوسيع دائرة اشتراك الناس في إدارة شؤونهم ومحاربة الفقر كلها محطات على هذا الطريق. والأوامر الملكية الصادرة يوم الجمعة الماضي تأتي في هذا السياق – سياق بحث القيادة المستمر عن الوسائل الكفيلة بمعالجة ما يعترض حياة الناس من مشاكل - ونظرة على "خريطة" هذه الأوامر تؤكد هذا المعنى فهي كلها تدور حول حياة الناس وتسعى لتحسين ظروفهم ودعم أمنهم واستقرارهم والحفاظ على قيمهم. وقد امتدت – زمانيا – ما بين معالجة المشاكل الآنية وبين رسم ملامح التعامل مع القضايا الاستراتيجية المرتبطة بالتنمية الإنسانية، فالتوجيه بصرف إعانة غلاء المعيشة وبدل البطالة المؤقت و إنشاء مستشفيات متخصصة في الجنوب والشمال لتنهي معاناة سكان تلك المناطق الذين كانوا يرحلون "مضطرين" إلى المستشفيات المتخصصة على محور الرياض – جدة – الدمام، كلها تتفاعل مع مسائل ملحة حاضرة في حياة الناس وعلاجها السريع يعطي المسؤولين فرصة وضع تصور للحلول الدائمة في حين اهتمت أوامر ملكية أخرى بالتعامل مع القضايا الاستراتيجية كالبطالة وتوظيف السعوديين وإيجاد حلول لمشاكل الإسكان لأنها تشكل ضغطاً مؤلماً على الاستقرار واستمرار خطط التحديث. فتوظيف الشباب السعودي وإعطاؤه الأولوية في تشييد اقتصاد بلاده وإدارة مراكز الإنتاج، هي قضية محورية لا ينبغي أن تترك للاجتهادات الفردية بل تحتاج إلى رؤية وطنية شاملة تعالج المشكلة من جذورها ويشترك فيها كل أصحاب الشأن من الجهات التنظيمية والتشغيلية. ومسألة امتلاك المسكن لا تقل في أهميتها وخطرها عن قضية التوظيف فهي مشكلة حقيقية باتت تؤرق الشباب وتستفز أعصابهم في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وشحها في نطاق العمران والخدمات. وهنا تأتي أهمية الأمر الملكي الكريم برصد 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية.. والنجاح في معالجة هاتين القضيتين: الإسكان وبرامج التوظيف تعد من الأهداف والقرارات المركزية في استمرار برامج التنمية الهادفة إلى خدمة الإنسان. ولا شك في أن الأمر الملكي الكريم يفتح أبواب الأمل في وجه مئات الآلاف من الشباب السعودي الذي كاد يقنط من إمكانية امتلاك منزل. ومن دواعي الأمل والبشر أن الأهداف الكبرى التي جاءت بها الأوامر الملكية، والتي تعد نقلة نوعية في رعاية الدول لمواطنيها، صاحبها القرار التاريخي بإنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد وإعطائها الصلاحيات الكاملة وربطها برأس الدولة حتى تستطيع أن تقوم بواجباتها على الوجه الأكمل. وهذه الهيئة ينتظر منها أن تكون الذراع القادرة على مراقبة تنفيذ المشاريع بصورة فاعلة وضمان جودتها ووصولها إلى مستحقيها قبل أن تختزلها أيدي المفسدين أو يتسرب بعضها في سراديب الفساد المستشري في أعصاب الأجهزة التنفيذية ومن يدور في فلكها من المنتفعين وأصحاب النفوذ. . وبدون حماية المال العام ومراقبة أوجه صرفه فإن الخطر سيظل قائماً في إهدار أموال الدولة في غير ما رصدت له. وحتى تجد هيئة محاربة الفساد مناخا مساعدا فهي في حاجة لتفعيل أجهزة الرقابة وتحديث القوانين وإصلاح نظام المناقصات وإزالة كل المواد التي أثبتت التجربة أنها كانت مداخل لاحتيال الراغبين في الالتفاف على النظام وتشجيع الرقابة الشعبية وتوسيع حرية التعبير عن الرأي وتحرير وسائل الإعلام الوطنية من أي قيد يحول بينها وبين كشف وفضح الفساد والفاسدين وملاحقتهم وإعطائها "سلطة" الرقابة على مصارف المال العام وطرح الأسئلة على المختصين ونشر نتائجها على الرأي العام. الناس متفائلون فاللهم لا تخيب رجاءهم.. نقلا عن الوطن السعودية