يبرز للمراقب السياسي للمشهد التونسي؛ خروج الإسلاميين من صناعة الأحداث الجارية في تونس، خلافا للمعتقد السياسي السائد عن قوة الحركات الإسلامية السياسية، وتجذرها وتمرسها في عمل الإسلام السياسي، وهذا أمر يستحق الوقوف عنده والتأمل فيه. فحزب النهضة (الإسلامي) المحظور في تونس، لم يتجرأ في إضفاء عباءته على ثورة الياسمين، ومثله فعلت الأحزاب الأخرى، إذ بات الشارع يحدد حاليا أجندات الأحزاب الإسلامية والليبرالية معا، وباتت الحركات السياسية في تونس تسعى جاهدة خلال الأيام الماضية التماهي مع خطاب الشارع وأولوياته. هذا الأمر يطرح العديد من الأسئلة والتساؤلات، عن مدى حقيقة قوة الحركات الإسلامية على الأرض، وهل قوتها تنبع من ضعف التيارات الأخرى، أم أن قوتها تتشكل من خلال تضخيمها إعلاميا وأمنيا، فتستفيد هي من أخطاء المعالجة في الانتشار والبقاء. فالخطاب الإسلاموي بشكله الحالي غير قابل للتسويق الجماهيري المعاصر، فلغة الخطاب وأولوياته ورموزه، تواجه تحديات كبيرة في النفاذ الاجتماعي، خاصة مع ارتفاع الوعي السياسي للمواطن العربي، جراء الضخ الإعلامي الفضائي المكثف، وانتشار شبكة الإنترنت، التي باتت المحرك الرئيس للتوجهات الجماهيرية في أوساط الشباب. وإذا كان الأسلاميون، والنخب الفكرية، لم يصنعا أو يشاركا في ثورة الياسمين، يبرز السؤال الرئيس من هو المحرك الحقيقي فيما حدث، هل هو بائع الخضار الذي أطاح بالنظام، أم شبكة الإنترنت والفيس بوك؟. وهنا تظهر متغيرات جديدة في معادلة الاستقرار السياسي، بعيدا عن الدوائر التقليدية والمهددات الكلاسيكية، مثل الحركات الإسلاموية والأحزاب، أو المليشيات والقوات العسكرية، فالشباب التونسي المهمش كان العنصر الرئيس في انتفاضة الشارع، إضافة إلى البطالة والفقر اللذين كانا العامل المساعد في إشعال الحريق الكبير. إضافة إلى تغير المسرح الإعلامي (الشاشات الإخبارية والإنترنت)، فالعالم كان يرصد عبر الكاميرات والقنوات وشبكات الإنترنت ما يجري في تونس من تحركات شعبية، مما حد من قدرة الأجهزة الأمنية على الأرض وتعطيل مفعولها، كما أسهمت تقنيات الإنترنت الحديث في تحقيق التواصل بين مكونات الشعب التونسي وتنظيم الحراك الذي بدأ عفويا، ليتحول لاحقا إلى تنظيم شعبي موجه. فالنظام التونسي جعل أولوياته الأسلامويين، فصنع منهم زعماء، وحارب النخب الفكرية، فخسرهم في عملية الإصلاح، واستهتر بالشارع بعد تفتيته وتمزيقه، فانقلب عليه بشراسة، كما نسي في الوقت ذاته دخول عنصري الفضائيات والإنترنت في آليات اللعبة؛ فتغير عليه مسرح العمليات، وخسر المعركة ببعديها المحلي والعالمي. نعم ... إنها «المغالطات السياسية» التي اعترف بها النظام قبل رحيله، والتي لم تخدع الرئيس التونسي فقط، بل مراكز الدراسات الاستراتيجية وأجهزة الاستخبارات العالمية، بل وحتى تقارير البنك الدولي تقلا غن عكاظ