تعود المشاركة الفاعلة للأقباط في الميدان السياسي مع نشأة الأحزاب المصرية التي كانت الأساس الذي بنيت عليه مشاركتهم في ثورة 1919. وشهدت فترة العهد الليبرالي (1923-1952) إقبالاً كبيراً من جانب الأقباط للمشاركة السياسية، فانضموا الى عدد من الأحزاب أبرزها «الوفد» و «الأحرار الدستوريون» و «مصر الفتاة». وكانت نسبة المقاعد التي يحصل عليها الأقباط تختلف من انتخابات برلمانية إلى أخرى بحسب وجود حزب الوفد في السلطة أو خارجها، إذ تراوحت هذه النسبة في أغلب الأحيان عندما كان الوفد في السلطة بين 8 و10 في المئة من إجمالي المقاعد في برلمانات 1924-1926-1942، بينما تدنت إلى 2 في المئة في الحالات التي كان الوفد خارج السلطة، كما حدث في برلماني 1931 و1938. وتأتي ثورة يوليو 1952 لتسبب حالة من انكفاء الأقباط على الذات والعزوف عن المشاركة السياسية، بعدما قامت الثورة بإضعاف العائلات السياسية القبطية التقليدية التي كانت بمثابة مدارس سياسية لتخريج كوادر حزبية من أبنائها قادرة على العمل السياسي. وظهر ذلك سواء في ضآلة أعداد المرشحين أو نسبة التصويت من الأقباط في الانتخابات البرلمانية بدءاً من تموز (يوليو) عام 1957 حتى عام 2005. وتتزامن الانتخابات البرلمانية التي ستجرى مطلع الأسبوع المقبل بعد سلسلة من الأزمات الطائفية بدأت مطلع كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، عندما تعرض مواطنون مسيحيون لإطلاق نار عشوائي من مجهولين بعد دقائق من خروجهم من احتفالات عيد الميلاد في الكنيسة الرئيسة في مدينة نجع حمادي. وبلغت الأحداث الطائفية ذروتها في شهر رمضان الماضي على خلفية اختفاء كاميليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس التي ترددت أنباء عن إسلامها، عندما نظّم المسلمون تظاهرات حاشدة عدة في محافظات مصرية. والواقع أن هذه الأحداث كشفت عن فشل الدولة في التعامل مع المشكلة الطائفية والنظر إليها كحوادث منفصلة في غياب أي رؤية شاملة للأسباب أو المظاهر أو الحلول، وكذلك غياب التدخل السليم للدولة. وأدى هذا القصور إلى إفراز الصراعات وما يتبعها من مظاهر العنف الطائفي بين الأفراد والمجموعات الطائفية المختلفة. وتفاقمت الفجوة بين الأقباط والدولة بصورة أكبر مع بروز أصوات قبطية تشجب ما يتعرض له الأقباط من اضطهاد من قبل الدولة ومؤسساتها، وتعالت هذه الأصوات على خلفية إقرار قانون يخصص 64 مقعداً للمرأة، بدءاً من الانتخابات البرلمانية 2010، وتجددت هذه الأصوات عقب صدام الكنيسة مع مجلس الدولة على خلفية حكم الأخير بالسماح للأقباط بالزواج الثاني، الأمر الذي اعتبرته بعض الرموز القبطية تدخلاً في شؤونهم الداخلية. وعلى رغم طموحات قبطية بدور أكثر فعالية في الحياة السياسية المصرية على خلفية تعديل المادة 1 من الدستور، والتي تؤكد أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديموقراطي يقوم على أساس المواطَنة، إلا أن انتخابات برلمان 2010 لم تعكس المستوى المأمول، سواء ترشيحاً أو حتى على المستوى المتوقع للتصويت، فمن بين حوالى 800 مرشح للحزب الوطني لم يسجل سوى 10 مرشحين أقباط، بينما رشح حزب الوفد 5 أقباط وحزب التجمع 3 والجناح المنشق لحزب الغد 4، أما الحزب العربي الناصري فلم يرشح أي قبطي. ويعود ضعف تمثيل الأقباط في الانتخابات إلى أن العملية الانتخابية في مصر محكومة بأطر تقليدية أكثر منها حداثية، والرصيد العائلي أو العشائري أو الخدمي الشخصي، وليس الانتماء الحزبي أو الفكري أو المؤسسي، هو المعيار لتحديد نتائج الانتخابات. على جانب آخر، ساهم النظام بشكل أو بآخر في استمرار ضعف المشاركة السياسية للأقباط، وذلك باستمرار تبني فكرة تعيينهم في البرلمان. وهذا التعيين في الواقع أضعف الأقباط وانتقص من صدقية صورتهم السياسية. وفى هذا الصدد يقول أستاذ الجيولوجيا الدكتور رشدي سعيد: «إن وجود الأقباط في البرلمان منذ ثورة يوليو حتى اليوم أصبح راجعاً إلى عطف الحاكم لا إلى إرادة الشعب». وتأسيساً على ما سبق، فإن مشاركة الأقباط، سواء في الترشيح لعضوية مجلس الشعب، أو في الانتخابات المباشرة، سيكون أكثر فاعلية من خلال إقرار نظام انتخابي جديد يعطي مساحة أكبر لمشاركة الجميع من دون الإخلال بالدستور ومبدأ المواطنة. * كاتب مصري