أصاب عين الحقيقة سماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في خطبة يوم الجمعة 4 محرم 1432ه في جامع الإمام تركي بن عبد الله في الرياض، عندما كشف خداع الشركات والمصارف والمؤسسات المالية وتجار الأسهم الذين يغشون المواطنين ويتلاعبون بأموالهم من خلال مشاريع وهمية غير حقيقية. وقام سماحته بتوجيه عدة أسئلة هامة إلى هؤلاء المخادعين عندما سألهم «هل كنتم صادقين فيما تبيعون، هل أنتم بعيدون عن الغش والتدليس والخيانة ؟». وذكر سماحته أن عددا من المصارف والشركات تسعى إلى الغش والخيانة والتلاعب بأموال الناس. كما قال سماحته أيضا «تجار الأسهم يتلاعبون ويستدرجون الناس ويخدعونهم.. وأن الضحية هو المواطن المسكين الذي لا يملك إلا القليل وأكله الأقوياء بحيلهم الباطلة وتلاعبهم السيئ وخيانتهم». سماحة المفتي أثار موضوعا جوهريا وحقيقيا، يعاني منه غالبية مواطني المملكة خاصة والخليج عامة. فمنذ أن بدأت بوادر الثروة تظهر على دول الخليج، بدأت معها أيضا ظاهرة حاملي شنط اليد، وأفواج من سماسرة البنوك ومؤسسات المال والاستثمار، والوسطاء والبائعين المتجولين، ومندوبي الشركات التجارية والمالية ومن على شاكلتهم، تزحف على دول الخليج ومنها المملكة العربية السعودية مثل هجوم النمل على قطعة السكر، تساعدهم في ذلك وتتبناهم بعض بنوكنا المحلية!! وبرغم بعض الإيجابيات القليلة لهذا الزحف غير المقدس، انتشرت للأسف من خلاله الكثير من الحيل والألاعيب والغش والخداع التي وقع في حبالها عدد لا بأس به من أبناء الخليج ومن جميع الطبقات، وفقد بعضهم أمواله وتحويشة العمر. وإليك عزيزي القارئ مثالا حيا على ذلك لا زلنا نتابع تطوراته. بنك محلي، شق من اسمه يحمل اسم امبراطورية لم تكن تغيب عنها الشمس سابقا، وبالتعاون مع مؤسسة مالية خارجية تسمي نفسها بنك العالم المحلي، يتكون اسمها من أربعة حروف باللغة الأجنبية وتمتلك جزءا من هذا البنك وقد فتحت لها مؤخرا فرعا في المملكة، أقاما صندوقا استثماريا عقاريا «إسلاميا كما يدعون» في نيويورك، ولكنه مقصور فقط على غير الأمريكيين والأوروبيين! واستطاع مؤسس الصندوق، وقد بدأ عمله قبل إنشاء هيئة سوق المال في المملكة، أن يجمع أكثر من ستمائة مليون دولار أمريكي، بغرض شراء عقارات مؤجرة في أمريكا خاصة، وجني إيجارات جيدة ومن ثم توزيع الأرباح بنسبة سبعة في المائة في السنة على المستثمرين في الصندوق. وكان من الخصائص المزعومة لهذا الصندوق العقاري أنه يعمل حسب أصول الشريعة الإسلامية، أي أنه لا يلجأ إلى الاقتراض من البنوك التجارية تجنبا للربا الذي تحرمه الشريعة. ولكي يطمئن المستثمرون، فقد أعلنت إدارة الصندوق أنها تستعين بلجنة شرعية من ثلاثة أعضاء من دول مختلفة. اطمأن المستثمرون السعوديون إلى أن أموالهم مستثمرة تحت رعاية بنك محلي معروف، وأن استثمارهم سيكون حسب تعاليم شريعة الدين الحنيف، ولا غبار عليه سواء حقق أرباحا أم لم يحقق. ولكن الذي حدث هو أن ذلك الصندوق تحت إشراف البنك المحلي والمؤسسة المالية الأجنبية (وقد أصبحت الآن مسجلة لدى سوق المال في المملكة) قام باقتراض ما مقداره تقريبا 150 % (مائة وخمسون في المائة) من رأس المال، وذلك من بنوك تجارية بعضها في أمريكا وبعضها في جزيرة برمودا، بل إن بعضها بنوك تمت بصلة مباشرة لهذه المؤسسة المالية الأجنبية وتحمل اسمه أيضا، هكذا عيني عينك، مما يعني أن هناك محاباة في التعامل المالي وفي الاقتراض، وأن هناك أيضا تضارب مصالح ومخالفة للأعراف التجارية المعمول بها. الغريب أن المؤسسة المالية تدعي أن كل هذا قد تم بمباركة وموافقة لجنتها الشرعية، فكيف أفتت هذه اللجنة أن الربا أصبح مشروعا؟ نقلا عن عكاظ