في ليلة نجيبية احتفل المتطوعون في الرياض، باليوم العالمي للتطوع، بتنظيم محكم من قِبل المتطوعين أنفسهم، وباستضافة لهامات عالية وحضور فاق الخيال، جميعهم ينذرون أنفسهم لهذا القديم الجديد. فالعمل التطوعي قديم قدم التاريخ، ولكن أصبح يأخذ مفاهيم جديدة وأطرا واضحة تتناسق مع احتياجات البلد ورعاية الحكومة. استضاف المنظمون الدكتور علي النملة الوزير السابق للشؤون الاجتماعية، الذي أطّر ووضّح بعض مفاهيم ومحددات العمل التطوعي، ورغم حرصه على استغلال كل ثانية، إلا أن الوقت أبى أن يكمل سعادتنا بروعة حديثه وعلمية طرحه. أيضا تمت استضافة الأديب حمد القاضي، والذي تناول العمل التطوعي بشيء من الروعة القصصية التي منحه إياها الله، فأوصل رسائل عديدة وبليغة، كما استضاف المنظمون الدكتور حافظ المدلج، ليبهر الجميع بالدور التطوعي الذي تقدمه الرياضة والرياضيون، والذي نفتقده كثيرا. إضافة إلى الحضور المعنوي للشيخ عائض القرني، الذي وجه رسالة للحضور تحدثت عن قيم ومعاني التطوع. ولا أنسى أن أشير إلى روعة الحضور التي لم تكن لتقل وعيا ولا رغبة عنها عند الضيوف المتحدثين. أما الفرق التطوعية التي أتت لتظهر للجميع الرغبة الجامحة والطاقة الهائلة التي امتلكها الشباب وبرعاية رسمية من عدد من الجهات على رأسها جامعة الملك سعود، ووزارة الداخلية ممثلة في الإدارة العامة للدفاع المدني، وأمانة مدينة الرياض. كانت تجاربهم تتحدث عن عام من العطاء لمجتمعهم ولوطنهم. ليس مستغربا أن تغيب وزارة الشؤون الاجتماعية عن رعاية مثل هذا الحدث، لكن المستغرب أن الوزارة تتخذ موقف المشاهد ولا تحترق عطاء في سبيل إخراج النظام المحكم للأعمال التطوعية، ولم شمل المتطوعين تحت مظلة الوزارة. تأخر النظام، حتى وإن رأى البعض أن الوزارة غير مسؤولة عنه، فهو خاضع للدراسة في الجهات ذات العلاقة. ولكن التعجيل باحتواء هذه الطاقات البشرية مهم، ويجب أن تتواءم سرعة إنجاز النظام مع تدفق وعطاء الشباب، وإلا فإن العمل التطوعي سيوأد في مهده. مما لفت انتباهي في المجتمع هو تداخل المصطلحات وتشابكها في الفهم والممارسة، فالعمل الخيري أحيانا والعمل التطوعي أحيانا أخرى، والمسؤولية الاجتماعية ثالثة. نعم كلها تصب في مجرى عمل الخير، ولكن يجب أن نفرق بين المسؤولية الاجتماعية، خصوصا للشركات والهيئات الحكومية وبين العمل التطوعي. فالمسؤولية الاجتماعية وإن كانت ترى بعين العمل الخيري، إلا أنها حق من حقوق المواطنة على الشركات التي تعيش وتنهض على أكتافنا. أيضا يجب أن ننمي في أنفسنا وفي مجتمعنا ثقافة تعدد المسؤولية، فالمسؤولية الأخلاقية، والمسؤولية الفردية، والمسؤولية نحو المجتمع وغير ذلك من الأنواع، يجب أن تحصر وأن تصل للمتلقي بالشكل السهل الذي يوضحها. كنت أتمنى أن أرى من ضمن المتحدثين من يعكس الصورة الإيجابية لثقافة التطوع بين المبتعثين، فالمبتعثون السعوديون أسسوا لثقافة العمل التطوعي منذ ما يزيد على ربع قرن. وقد أفرزت هذه الأعمال التطوعية العديد من الناجحين والقادة في المجتمع لا يتسع المقام لذكرهم. حضور بعض أعضاء مجلس الشورى، يدل وبكل وضوح على اهتمام المجلس وأعضائه بضرورة إقرار نظام العمل التطوعي، والخاضع للدراسة من قبل المجلس، وترددت بعض العبارات الدالة على دنو إقرار هذا النظام، والكل متلهف ليخدم النظام ويؤطر لعمل مؤسسي ينفع البلاد والعباد. وجود العمل المؤسسي المنظم للعمل التطوعي، وللجمعيات الخيرية، سيكون في حاجة إلى تكامل جميع جوانب النظام، وهذا ما دعوت له سابقا بضرورة حوكمة أعمال القطاع الخيري، أسوة بحوكمة شركات القطاع الخاص. ولا يفوتني أن أشير إلى مدى المسؤولية الفردية التي يتمتع بها كاتبنا الرائع نجيب الزامل، أو كما أطلق عليه شباب العمل التطوعي الأب الروحي للعمل التطوعي، وحاجتنا إلى مسؤولين بهذه الروح وهذا العطاء في مجال العمل التطوعي. وأيضا للمواطنة الحقة من قبل شركة الزامل التي تبنت ورعت العديد من الأعمال التطوعية في عدد من المدن. هذا ما كان في يوم الاحتفال بالعمل التطوعي لهذا العام، الشباب يعدوننا بعمل أكثر روعة وأبلغ أثرا في الاحتفال القادم، فكونوا على الموعد، وأسهِموا أو تصدقوا عن أعماركم كما قال الشيخ عائض القرني. نقلا عن الاقتصادية