قد يتفق معي كثيرون على أن الكرة السعودية ممثلة في أنديتها تعاني من ضعف في إيراداتها المالية مقارنةً بمصروفاتها المرتفعة، إلا أن ما يحدث من بعض الأندية يجعلنا في حيرة من أمرنا، كيف يشتكون من قلة المداخيل المالية وفي الوقت نفسه نجد الهدر الواضح في ميزانياتهم!؟ فعلى سبيل المثال، نادٍ كالهلال لم يخسر إلا مباراة واحدة منذ انطلاق الدوري ويفكر في الاستغناء عن مدربه (دول)، وحجتهم في ذلك أن الهلال لم يظهر بالصورة المطلوبة هذا الموسم كأداء فني داخل الملعب، علماً بأن المقياس الحقيقي لأي (عمل) في الدنيا يعتمد في المقام الأول على النتائج، ونتائج الهلال في الجولات السابقة ممتازة وهو ماضٍ في كسب المزيد من النقاط، إذن لماذا تأتي فكرة الاستغناء عن المدرب؟ وفي الأصل لماذا يدفع الهلال كل تلك المبالغ في مدربه (دول) قبل أن يتأكد من سيرته التدريبية وأسلوب عمله والإنجازات التي حققها والتي من خلالها سيتضح مدى براعته في المجال التدريبي؟ لكن أن يحدث التناقض وتتغير قناعات الإدارة هنا مكمن الدهشة..! وقد يضر هذا الأمر في سمعة الأندية السعودية، فلو حدث وتمت إقالة السيد (دول) من منصبه فلن يجامل الهلال متى ما سئل عن أسباب الإقالة، ولن يجد ما يقوله إلا أنه سيستعرض عدد المباريات التي قدمها مع الهلال، وسيذكر لكل وسائل الإعلام المحلية والعالمية أنه لم يخسر سوى مباراة واحدة مع الهلال، عندها ستكون الصورة غير جيدة لدى أكثر المدربين في العالم، وسيترددون عشرات المرات قبل أن يخوضوا تجربة جديدة مع الأندية السعودية مهما بلغت قيمة العرض. وهناك أيضاً نقطة أخرى لا تقل أهمية عن النقطة السابقة ستفرزها كثرة إقالات المدربين في السعودية، وهي أن المدربين في أوروبا أو في أمريكا الجنوبية حتى يحموا أنفسهم من شر الإقالة سيطلبون مبالغ عالية حتى يوافقوا على توقيع العقد، وسيضيفون شروطاً جزائية قد ترهق كاهل الأندية، وحينها ستكون الأندية أمام أمرين: إما أن ترضخ لمطالبهم، أو أن تبحث عن مدربين متواضعين في سيرتهم التدريبية ولا يرتقون لمستوى ومكانة الأندية السعودية، وهذا الأمر سيترك أثراً فنياً سلبياً على أداء اللاعب السعودي. الموضوع في غاية الأهمية، وأنديتنا تبحث عن إرضاء الجماهير فقط دون أن تنظر لأبعاد هذه القضية ومدى تأثيرها السلبي مستقبلاً على الأندية، ولعل الدليل الحي على ما ذكرت مدرب المنتخب السعودي والأنباء التي ترددت عن رغبته في ترك المنتخب بعد مباراة أستراليا، ولو قرر السيد (ريكارد) مدرب المنتخب الإفصاح عن الأسباب الحقيقية وراء عدم رغبته في الاستمرار في تدريب المنتخب السعودي سيكون أحدها خوفه من الإقالة التي قد تجعله يخسر جزءاً من مكانته التدريبية في عالم التدريب. لهذا نحن نقف أمام إشكالية كبيرة تساهم في تدني مستوى اللاعب السعودي؛ لأن الاستقرار الفني يرفع من أداء اللاعبين ويجعلهم يؤدون ما يُطلب منهم دون التأثير على أذهانهم بسبب تعاقب المدربين والمدارس التدريبية. ولعل نادي الفتح خير مثال على ذلك، فالفريق يؤدي مباريات جيدة فنياً، والانسجام علامة واضحة في أدائه داخل الملعب، على الرغم من الشح المالي للفريق، ولكم أن تتخيلوا لو أن الفتح يملك راعياً بقيمة رعاية مرتفعة كالأندية الجماهيرية، كيف كان سيصبح حاله في دوري زين مع الوضع الفني المستقر للفريق؟! الشيء بالشيء يذكر في هذا الجانب وله علاقة مباشرة بالهدر المالي للأندية هو اللاعبون غير السعوديين، فعلى سبيل المثال لا الحصر الهلال يتعاقد مع (إيمانا) الكاميروني بمبالغ كبيرة جداً، وإلى هذه اللحظة لم يستفد الهلال منه كم يجب؛ لأنه لا يشارك أساسياً في كثير من المباريات، وهنا قد يكون لسوء الاختيار دور في هذا الأمر، فهم اختاروا اللاعب لأن مستواه الفني داخل الملعب ممتاز، لكن انضباطه ومقدرته على تطبيق ما يُطلب منه في التمارين وأسلوب تعامله مع المدربين غير جيدة، ولا أعتقد أنها كانت وليدة الملاعب السعودية، فلو درس القائمون على شؤون الهلال ملف اللاعب من كل جوانبه وبحثوا في مدى حرصه على الانضباط واحترام التعليمات لربما وفروا تلك المبالغ التي دفعوها في سبيل استقطابه وضمه للكتيبة الهلالية. والحال ذاتها تنطبق على النصر، حيث نجد فيه مدرباً تمت إقالته، ومحترفين غير سعوديين في الطريق، وفي النهاية هذا هدر لأموال النادي كان من المفترض أن تنفق بشكل أفضل ليستفيد منها النادي في استقطاب لاعبين محليين أو في الألعاب الأخرى التي قد تكون معدومة في النصر. في تصوري أننا حتى نستطيع أن نتدارك هذا الأمر يجب أن تعمل الأندية على وضع معايير معينة وفق ميزانيات محددة تتصرف من خلالها دون أن ترهق ميزانيتها، ودون انتظار الدعم من أعضاء الشرف الذين تقلصت أعدادهم بعد أن أصبح للأندية مداخيل مالية ثابتة، ولن يحدث هذا الأمر إلا بالاعتماد على الأشخاص المتخصصين كل في مجاله، فالأمور الفنية يشكل لها لجنة فنية تهتم بالتعاقدات الفنية للفريق من مدربين ولاعبين محليين أو أجانب، وتكون هي المسؤولة أمام الجماهير عن هذا الأمر، والجوانب الإدارية يكون لها فريق عمل متخصص له اهتمام إداري من واقع خبرة سابقة في العمل بالأندية، والكلام نفسه ينطبق على الجانب الاقتصادي والاستثماري للأندية، والشؤون القانونية والإعلامية. وبهذا الإطار العام المنظم لسير العمل داخل الأندية ستتحقق النتائج المأمولة، وسنرتقي بأنديتنا وستصبح المسؤوليات واضحة ومحددة، ولن يتحمل الجميع إخفاق جهة ما. وقفة: العدل يبدأ في البيت، والظلم يبدأ في البيت.. والبيوت الظالمة لا يتكوّن منها مجتمع عادل! دمتم بخير سلطان الزايدي [email protected]