ما كادت تنتهي الحرب العالمية الثانية . حتى أخذت دول العالم الثالث تتخبط بحثاً عن مكان شاعر بجانب احد قطبي الانتصار . الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدةالأمريكية وبدت التحالفات تظهر جليا على واقع الشعوب المكلومه وطبيعي جداً أن يفرض المنتصر نموذجه الثقافي واتجاهه الفكري على الساحة العالمية . وطبيعي جداً أن يتقمص الضعفاء والمهزومون شخصية العملاق المنتصر وظهرت في عالمنا العربي صورة هذا الولاء المزيف والانشقاق المزعوم في كثير من كتابات المثقفين العرب الذين بدورهم روجوا لهذا التوجه الجديد في العالم وأثروا في شعوبهم بتعميق ثقافة الولاء لحزب وثقافة الكراهية للآخرين . وأصبح المثقف العربي يطوع كل إمكاناته الإبداعية لخدمة توجه سياسي مرتبط بالانقسامات العالمية ,وخاصة بعد الحرب الباردة كما يدعون بين السوفيت والأمريكيين . لا بل وأكثر من هذا وذاك البعض منهم جند نفسه لخدمة الطبقة الحاكمة وأهوائها فوسع الهوة بينه وبين شريحة من مواطنيه الذين اعتبرهم النظام معارضين ويجب القضاء عليهم أو التخلص منهم . وبهذا نجحت كثير من الأنظمة بان تقوم بعملية انتقاء نخبة النخبة من المثقفين وتبنيهم وتفضيلهم على غيرهم وإطلاق العنان لأقلامهم ومواهبهم ومهاراتهم لإيقاع أكبر الأذى والضرر بأندادهم ونظراتهم في هذا المجال . وطال الأمد على هؤلاء الى درجة انهم هم الذين يصنعون توجهات الأمة وتكوين شخصيتها القومية بل الأصح الحزبية , ووصلوا إلى درجة من الإيمان بمكانتهم أن يد الغدر لن تطالهم وان استمرارية الحياة هكذا وأحسن .هي يقين لاريب فيه ووصل بهم الأمر إلى تطويع قدراتهم لمزاجية الحزب الحاكم فإن أحب الآخرين ترى أبواقهم تزمر هناك معلنة حباً ليس له نظير . وإن حصل كره وقطيعه رأساً يتحولون الى أعداء ألداء ويسقون خصومهم السم الزعاف وكأنهم زهرة دوار الشمس تراها مشرأبه تتبع مسيرة هذا القرص الذهبي . وبهذا المسيرة الحافلة بالتقلبات لم ينجح المثقف العربي في تكوين قاعدة من مريديه تستمر في نهجه الثقافي وتكون مخلصة في ولائها له حتى بعد رحيله بل تبدأ القطيعة معه وهو على قيد الحياة . فالنموذج الثقافي ذا الإطار المطاطي لا يصلح لبناء مجتمع تتجاذبه المؤثرات الخارجية . وتفتك به الانقسامات الداخلية وضعف البنى التحتية للثقافة . ان تحول المجتمع من مجتمع الحكواتي إلى مجتمع يتحلق حول صوت الراديو وأمام شاشه التلفاز . افسد على المثقف العربي بعض مكاسبه الاجتماعية لان المذياع والتلفاز.و المنافسة على الظهور فيها ليس لكل من كان ولا تتاح الفرصة لأي من كان وهي مكسب أيضاً للمثقف العربي بأن إطلالته من هاتين النافذتين هو أيضاً مؤثر وتأثيرة بليغ جداً علماً بأن هاتين النافذتين هي للحزب الحاكم فعليه أن يكون أكثر نظارة ووسامة وأحسن إطلالة على الجماهير . واستمر الحال حتى أن بعضهم خلد في هاتين النافذتين وغيرهما من وسائل الإعلام . لكن الرياح العاتية لا يصمد في وجهها إلا الأقوياء فبدا المثقف العربي يمشي على ( قفاه) ويحتمي بالحوائط لأن المزامير التي دأب على إستعمالها – لم تعد صالحة للأغنية الجديدة . فكأنه في عبارة السلام فاجأها الموج العاتي في ظلام ليل دامس , فظن من خرج منها أن شاطئ النجاة قريب فالتقفه الموج إلى أعماق البحار , أن القلم الذي أقسم الله به عز وجل أن لم يكن أداة نقل الحقائق والوقائع بصدق وتجرد من الذات المستعبدة للغير . وترجمة مشاعر الناس وآلامهم فإنه يصبح أداة لعنة على حامله . وسيتحول المثقف من هذا النوع إلى شاخص على الأرض يتهيأ الناس لرجمه . لقد أفلح المثقفون في كتابة القصص الشعبي والروايات المحلية والمسلسلات الفكاهية والتوجه نحو الأحداث العالمية وتحليلها بما يتناسب مع واقعنا المعيشي لقد تخطت الأحداث المحلية واحتياجات الامة ريشة قلم المثقف وأصبح يستلهم من الأحداث ما يتناسب مع نمطية حياته . ويرى ان التجديد نكره وانه يفقد الامه هيبتها ومكانتها وتاريخها بل حتى وقيمها الأخلاقية وكان ريشة قلمه أصبحت ثقلاً يشكل عبئاً على فكره . الذي لا يستوعب الآخر ولا يجاري الحاضر ومتطلباته ولا يتسع لرؤية مستقبلية واعده . لقد ألفنا في حياتنا أن المثقف لديه قدرات عالية عندما يرغب أن يتحول من سلوك إلى آخر ومن فن إلى غيره .فتارة يظهر كمشارك في النظرية الاجتماعية . مره أخرى يتحول إلى واعظ ومرة إلى داعية والأغرب من هذا وذاك أن تراه مثل إشارة المرور الضوئية تتغير الألوان في دقيقه واحده وهي في نفس العمود .