رأى الإعلامي فهد الشريف (مدير تحرير جريدة المدينة) أن ملامح العالم الجديد وحركة مظاهر الشارع العربي وإعادة صياغة علاقة الشعوب مع أنظمتها ومجتمعاتها إنما هي تعبّر عن تشكّلات مجتمعية تستمد تكوّنها من ثقافة جديدة دفعت هذه المجتمعات بتمظهراتها ودعواتها للتشكّل والتكوّن، معتبرًا أن الذين يمتلكون القوة المعلوماتية وتقنيات الاتصال هم الذين ستكون لهم السلطة في المستقبل القريب. ووصف الثقافة بأنها مصطلح يختلف حوله اللغويون واللسانيون وحتى علماء الأنثربولوجيا وكذلك المثقفون أنفسهم، وأن المثقف هو من يصنع الآداب والفنون وكل العلوم التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يجسّد حقيقة المجتمعات المنتجة لهذه النخبة المثقفة أو صنّاع الثقافة. وتساءل الإعلامي فهد الشريف في بداية محاضرته التي ألقاها مساء السبت الماضي بنادي تبوك الأدبي وكان عنوانها «المثقفون في عالم متغير»، عن: “هل ما يزال المثقف يؤدي دوره التاريخي الحضاري والتنويري وصناعة الثقافة الحديثة؟”. ثم تناول وضع المثقف العربي في هذا العصر الذي يشهد رجوعًا لإسهامات المثقفين أو النخبة في تنمية المجتمع، وغياب تأثيرهم الاجتماعي والثقافي في حركة الواقع المجتمعي، فلم يعدوا قادة الرأي العام، ولا هم بالاستشرافيين للمستقبل المقبل أو القريب، فلقد رحلت تلك الأوهام حين كانوا يُنظرون لعطائهم بوصفه إنارة للطريق ومنقذًا من الضلال. وتابع الشريف قائلًا: “من ينظر حولنا ويتأمل المشهد الحياتي الإنساني للأحداث الإنسانية في مختلف البقاع محليًا وإقليميًا وعالميًا يرى أن من نصفهم بالنخبة ليس لهم حضور بارز في تحريك مجريات الأمور كما كانوا في السابق إبان التحولات المجتمعية والفكرية، بل إنهم مثلهم مثل سائر الفئات الاجتماعية”. وأكد أن الثورات الشعبية التي يعيشها العالم العربي أتت من البسطاء أو من شعوب تلك البلدان دون غيرهم، من شباب صغير السن لا يحمل في أجندته أي مشروع فكري أو سياسي، بقدر ما يدفعه واقع مرير يعيشه، حرّك هذا الجيل الصاعد أو الجديد من خلال تواصل اجتماعي حقيقي بينهم كأفراد تجمعهم مصلحة واحدة ومصير تاريخي هو البحث عن حياة معيشية وحرية إنسانية وحقوق مدنية مساواة بأقرانهم من أبناء الشعوب المتقدمة وقد كان التواصل بينهم عبر وسائط تقنية متمثّلة في مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، والتويتر واليوتيوب)، وعبر هذه القنوات وصفحات التعارف الشخصية قرر الإنسان العادي والمواطن البسيط والشاب الحالم أن يلعن تلك المثاليات والأوهام الثقافية. وتساءل الشريف أيضًا: “أين هم المثقفون من هذا الحراك؟ وقبل ذلك أين هم من صناعة القرارات العامة في نهضة مثل هذه البلدان أو غيرها ممن تحتاج للمثقفين وقادة الرأي الذين يمتلكون الرؤية الفكرية المستقبلية لتحسن أوضاعهم والاشتغال على هذه القضايا المصيرية”. وقال: “إن ملامح العالم الجديد وحركة مظاهر الشارع العربي وإعادة صياغة علاقة الشعوب مع أنظمتها ومجتمعاتها تعبّر عن تشكّلات مجتمعية تستمد تكوّنها من ثقافة جديدة دفعت هذه المجتمعات بتمظهراتها ودعواتها التي تعج في شوارع المدن العربية للتشكل والتكون”، وأضاف: “إن السلطة المقبلة ستكون في يد من يمتلك القوة المعلوماتية وتقنيات الاتصال وهذه هي أداة القوة المهيمنة ووقود مركبة حركات التغيير”. واختتم الشريف محاضرته بقوله: “حالة المثقف العربي في السنوات الماضية، وتحديدًا مع تحولات عالمية في التناول الثقافي والإعلامي على صورتين، إما أن يكون هامشيًا منزويًا عن الفعل الثقافي والحراك الاجتماعي، ولا يتجاوز تأثيره سوى التعليق والكلام عبر الاستطلاعات الصحفية أو شاشات التلفاز، فلم تعد النخب والأحزاب هي التي تصنع العالم، بل تصنعه الشاشات ووسائل الإعلام وأسواق السلع وأسعار البورصة وآليات الربح ومافيات الضغط وثمة نظام جديد يجري صنعه اليوم”. المحاضرة أدارها الدكتور عبدالله البلوي وأقيمت بقاعة محمد عمر عرفة بالنادي وشهدت حضور عدد من المثقفين والأدباء والإعلاميين.