الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: لقد كثر الهرج والمرج حيال أمور كثيرة من الدين وتكلم المتحدثون عامتهم ومتعلمهم ولكن دون فهم لضوابط تلقي النصوص الشرعية مما جعل أغلب الناس في حيرة من أمرها بل وصل الحال بالبعض إلى الاتكال في العمل على بعض الفتاوى والتي كما ذكرنا لم تراعي أحوال المخاطبين وهو موضوعنا اليوم فمن المعلوم أن لكل مقام مقالاً ، وربما صح مقصد المكلف وحسنت نيته لكن قصر فهمه عن إدراك المقصود من النص فساء إدراكه والتبس عليه الأمر ، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم ممن جمعوا بين حسن القصد مع حسن الفهم وقد يحرم البعض أحد الأمرين أو كلاهما . يقول شيخ الإسلام (إن المسائل الخبرية العلمية قد تكون واجبة الاعتقاد وقد تجب في حال دون حال وعلى قوم دون قوم وقد تكون مستحبة غير واجبة وقد تستحب لطائفة أو في حال كالأعمال سواء . وقد تكون معرفتها مضرة لبعض الناس فلا يجوز تعريفه بها كما قال ابن عباس رضي الله عنه لما سأله أحدهم عن قوله تعالى [ الله الذي خلق سبع سموات.....] الآية . فقال :ما يؤمنك أني لو أخبرتك بتفسيرها لكفرت ، وكفرك تكذيبك بها). ويقول الشاطبي في ذلك ( من هذا يعلم أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره وإن كان من علم الشريعة ومما يفيد علماً بالأحكام بل ذلك ينقسم إلى : منه ما هو مطلوب نشره وهو غالباً علم الشريعة ، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص ) ثم يقول : (وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله ، فإن لم يؤدي ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول (مع ملاحظة أنه لا يصح أن يقال إن بعض مسائل الشرع مما لا تقبله العقول لأن العقل والنقل من الله تعالى ويستحيل اختلافهما وإن حصل فلعل هناك أسباب تعود لعدم فهم النصوص على الوجه المطلوب ) فإن قبلتها العقول فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية ). وقد طبق الصحابة رضي الله عنهم هذا الضابط فكانوا في دعوتهم وتبليغهم مراعين لإفهام الناس وأحوالهم فها هو عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو يصارع مرض الموت يقول : ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه من الخير إلا حدثتكموه إلا حديثاً واحداً وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرّم الله عليه النار) رواه مسلم. يقول القاضي عياض في شرح هذا الحديث : ( فيه دليل على أنه كتم ما خشي الضرر فيه والفتنة مما لا يحتمله عقل كل واحد وذلك فيما ليس تحته عمل ولا فيه حد من حدود الشريعة ، ومثل هذا عن الصحابة رضي الله عنهم كثير في ترك الحديث بما ليس تحته عمل ولا تدعو إليه ضرورة أو لا تحمله عقول العامة أو خشيت مضرته على قائله أو سامعه لا سيما ما يتعلق بأخبار المنافقين والإمارة وتعيين قوم وصفوا بأوصاف غير مستحسنة وذم آخرين ولعنهم ، والله أعلم). وكل ما ذكرناه لا يقدره ولا يعرفه إلا أهل الحل والربط من أهل العلم والفهم وهم الذين تكاتفوا وبينوا لولاة الأمر حفظهم الله خطر هذا الأمر والسير فيه ، فكان الأمر الملكي الكريم الموجه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود إلى سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والجهات المعنية بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء والرفع لمن فيه الكفاية والأهلية التامة للاضطلاع بمهام الفتوى للإذن لهم بذلك . وبذلك قصر الشر ممن هم ينتسبون إلى أهل العلم وهم فارغين من العلم ووضح للعالم أن هذا البلد هو مرجعية العالم الإسلامي لفضل أهل العلم فيه و لما تحمله من هم الدين ويكفي هذه البلاد الحرمين الشريفين وما تقدمه لها من خدمات جليلة ممثلة في ولاة أمرها حفظهم الله ، وبذلك كفلت لكل فرد مراعاة أحوالهم في الفتاوى