لم يكن طلاب الكليات التقنية بحاجة إلى أن يتكبدوا ما يتكبدونه من عناء، وما يعانونه من تعنت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، والمتمثل في رفع قيمة الرسوم التي يدفعونها ومطالبتهم بالدفع الفوري أو سحب ملفاتهم، لو أن الإشراف على تلك الكليات انتقل إلى التعليم العالي، بناء على النظام الذي يقتضي ضم كل تعليم فوق المرحلة الثانوية إلى التعليم العالي، وهو النظام الذي تم بموجبه ضم الكليات الصحية وكليات المعلمين وكليات المعلمات إلى التعليم العالي. ويبدو أن معاناة أولئك الطلاب تعود إلى بقاء الكليات التقنية بمعزل عن التعليم العالي، وهو الأمر الذي جاء نتيجة تخطيط دقيق قام به من يحرصون على أن تبقى تلك الكليات خارج إشراف التعليم العالي، وذلك حين أسقطوا من مسماها التعليم، فلم تعد الجهة المسؤولة عنها «المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني»، كما كانت من قبل، بل أصبحت «المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني»، وأصبح من المحظور على المنتسبين إليها من الطلاب أن يعدوا أنفسهم طلابا، فهم متدربون فحسب. كما أن من يتولون التعليم فيها لا يجوز لهم أن يعتبروا أنفسهم معلمين، فهم مدربون يترقون في التدريب، فيكون منهم مدرب ومدرب أول ومدرب ثانٍ وكبير مدربين. ولعل هذا الانعزال عن التعليم والاكتفاء بدور التدريب فقط، وهو ما أثار انتقادات أعضاء مجلس الشورى، هو ما جعل المؤسسة العامة تتوهم أن التوجيهات السامية بتحمل الدولة رسوم الطلاب الملتحقين بالتعليم الموازي لا ينطبق عليها، وهو ما أغراها أن تتحول إلى جهة ربحية ترى أن من حقها أن ترفع الرسوم كما تشاء، وتطالب الطلاب بالتسديد الفوري أو سحب ملفاتهم، مثلها مثل أية شركة بيع سيارات أو مكتب عقار لتأجير الشقق المفروشة. المسألة عندئذ لا تختصر في مشكلة الطلاب الذين أصبحوا مهددين بالدفع أو الطرد، ولكنها مسألة مؤسسة ترى أن لا شأن لها بالتعليم، ولا دخل لها بما يحصل عليه الملتحقون به من مميزات، ولا ترى بعد ذلك كله إلا أنها جهة لتحصيل الرسوم التي يحتاج الوقوف على منصرفاتها إلى وقفة أخرى ومقال قادم.