يعتبر العمل التطوعي من أبرز السمات التي تقاس بها إنسانية المجتمع، ومن أهم الوسائل في عملية النهضة الاجتماعية والسمو بمكانة المجتمعات، فهو امتداد حي للمواطنة الفاعلة والإيجابية في عملية المساهمة في التنمية الشاملة لمجتمعاتنا، فالعمل التطوعي يعكس قيماً وروابط إيجابية بناءة والتي تضمن أنسنة العلاقات الاجتماعية عبر عدة ممارسات ترسخ الارتباط والاحتكاك بالحياة الجماعية وهمومها ومعاناتها لفهم الواقع الاجتماعي وتجسيد الرغبة في مشاركة الحالة الإنسانية في تكريس الخيار الجماعي، هذا بالإضافة إلى كونه استثماراً حقيقياً لأوقات الشباب واستثارة فعلية لطاقاتهم الكامنة لاسيما أن التطوع يتضمن مجهوداً جسدياً يقوم بصفة أساسية على الرغبة الذاتية والدوافع الداخلية من أبناء المجتمع بصورة فردية أو جماعية تهدف إلى تحقيق تكافل اجتماعي أو خدمة قضية من القضايا التي يعاني منها المجتمع فالعمل التطوعي بوصلة لتحديد جدوى وفائدة الفرد بالنسبة لمجتمعه. في مبادرة تطوعية أطلقها شباب المدينةالمنورة لتنظيم حملة تنظيف للمسجد النبوي – بعد إضراب عمال النظافة عن العمل – قدموا فيها صورة قيمية تكاملية لأبناء البلد الواحد عبّرت عن حس مواطنة عال من خلال حماسهم وانتمائهم و تعاونهم مع بعضهم البعض في سبيل تلبية نداء مجتمعهم، وهذا عوض عن الشعور الرائع الذي مده لهم العمل التطوعي من قوة إيمان بالنفس القادرة على التغيير و زرع الأمل و التفاؤل بالحث على فعل الخيرات من حيث قول الله تعالى (وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) ففي هذه الآية الكريمة ربط الله تعالى بين العبادات وفعل الخيرات الذي اقترن عملها بالإيمان ففي الحديث الشريف قال صلّى الله عليه وسلّم (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق). إن للعمل التطوعي أبعاداً وجذوراً إنسانية مشتركة تتعلق بالفطرة الإنسانية السليمة فهو لا يكتفي بمجرد الاستماع إلى صوت الحاجة وحسب، إنما يفعلها ويشاركها على أعلى مستوى ومن هنا تنبع قيمة العمل التطوعي الذي يجب علينا تنفيذه وتوفير التدابير اللازمة لتلبية ندائه الإنساني و هذا لا يتم سوى بتأهيل الإطار المدني المؤسساتي لتحقيق ذلك، ولكن يؤسفنا أن نرى أن العمل التطوعي مرفوض في بعض المجالات من قبل بعض الحكومات ومحصور في كثير من الأحيان على الجمعيات الخيرية والدينية فقط، مع أن مجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى تسويق مفهوم التطوع ودعم المتطوعين وتوسيع دائرة مؤسسات المجتمع المدني كماً ونوعاً. ومما لا شك فيه أن انتشار ثقافة العمل التطوعي يعد سمة من سمات المجتمعات الحية والنخب الفاعلة، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على المجتمع الواعي فالرموز من علماء وخطباء ومفكرين وأدباء هم الجهة المسؤولة والمعنية بإنتاج وتوفير هذه الثقافة المطلوبة في المجتمعات وخاصة بين الجيل الجديد من الشباب والشابات الذي يجب أن يُمنحوا الفرصة أولاً للوصول إلى وسائل الإعلام المختلفة كي ينشروا مبادئ السيولة الفكرية المعتمدة على جو حر وقادر على منح العمل التطوعي ما يستحق من تعريف واهتمام.