يُعرف المجتمع العصبوي بأنه المجتمع المكون من عصبيات عدة، دينية وطائفية ومذهبية وإثنية وإقليمية. وتتسم العلاقة بين هذه العصبيات بعدم الاندماج والافتقار للثقة، وبضعف التواصل الاجتماعي فيما بينها. كما أن العلاقة بين الدولة والمجموعات العصبية يحكمها الشعور بالغبن الاجتماعي والقلق العام. وكما يصفه برهان غليون: «المجتمع العصبوي الذي يعاني من نقص الاندماج الذاتي والانصهار، حيث تعيش الجماعات المختلفة بجوار بعضها بعضاً، لكنها تظل ضعيفة التبادل والتواصل فيما بينها. وهي تشكل إلى حد ما الطريقة الخاصة بالتواصل الذي هو في ذاته نوع من التواصل الصراعي، في هذا المجتمع المتحلل والفاقد ليس فقط للصعيد الموحد السياسي أو الأيديولوجي أو الاقتصادي، ولكن أيضاً لكل إجماع على أي مستوى من مستويات البنية الاجتماعية». وعندما نقول مجتمعاً عصبوياً، فإنه بالضرورة تكون الدولة القائمة عليه تقليدية في شكلها وليست ديمقراطية. لأن الدولة الديمقراطية يكون المجتمع فيها قد انتقل من الطور العصبوي إلى الطور المدني، وحتى لو لم تنصهر هذه المجموعات انصهاراً كلياً في الدولة الديمقراطية. وعندما نقول دولة ديمقراطية لا يعني أن كل دولة يجرى فيها التصويت أو الاقتراع العام هي بالضرورة دولة ديمقراطية، لأن حق التصويت هو أحد مكونات الدولة الديمقراطية مع مجموعة مكونات أخرى، كمبدأ تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، وفصل السلطات، وبناء دولة المؤسسات، واستقلال القضاء، وإقرار الحقوق المدنية العامة. وإذا ما مورس حق التصويت والاقتراع في دولة ليست ديمقراطية ذات مجتمع عصبوي، فإن التصويت فيها سيكون حتماً على أساس عصبوي لا على أساس مبدأ الكفاءة. وهذا في اعتقادي أحد أكثر الممارسات تشويهاً للديمقراطية، إذ تتخذ إفرازات هذا الوضع كشعارات للنيل من الديمقراطية ودولة المؤسسات والحقوق بشكل عام. وهنا يبرز السؤال الأهم: متى يتحول المجتمع من «مجتمع عصبوي» إلى «مجتمع مدني»؟! وقبل أن نجيب، حقيق بنا التعرف على «المجتمع المدني»، الذي بالطبع تختلف تعريفاته الإسلامية والليبرالية والاشتراكية. لكن التعريف العام الكلاسيكي هو «المجتمع الذي يحكمه القانون»، بحيث يقف أفراد المجتمع متساوين أمام القانون ولا قيمة فيه لأي اعتبارات عصبوية. أما متى ينتقل المجتمع من الطور العصبوي إلى الطور المدني، فيقول المفكر عبدالإله بلقزيز: «وليس هذا العسر الحاد في الاندماج الاجتماعي ما يتحمل المجتمع العصبوي مسؤوليته على نحو رئيس ومباشر؛ وإنما هو من نتائج عجز الدولة نفسها عن توليد دينامية توحيد وتجانس في النسيج الاجتماعي، ينشأ عنها ذلك الاندماج الاجتماعي وتتفكك بها الروابط والأطر التقليدية العصبوية، وهو عجز يرد إلى غياب مشروع وطني لدى النخبة الحاكمة في الدولة». وهنا نعي أن دولة الحقوق والمؤسسات تقود بالضرورة إلى المجتمع المدني، كما أن تبلور المجتمع المدني يقود بلا شك إلى دولة الحقوق والمؤسسات.